حالات اعتقال وسط المرحّلين إلى سوريا.. أسئلة حول حماية اللاجئين السوريين في لبنان
أفاد تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان أن 36 شخصا اعتقلوا من ضمن المرحلين قسريا إلى سوريا من لبنان خلال حزيران/يونيو، بالإضافة إلى 23 آخرين خلال أيار/مايو الماضي من الذين تم ترحيلهم إلى سوريا من لبنان والأردن. وتصاعد تواتر عمليات المداهمات وإغلاق المحلات وهدم المخيمات والترحيل للسوريين في الشهرين الأخيرين في لبنان. فمن يحمي هؤلاء من التعسف بحقهم؟ وما دور مفوضية اللاجئين في حماية المسجلين لديها؟
أفادت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن ما لا يقل عن 36 شخصا من اللاجئين الذين أعيدوا قسريا من لبنان، اعتقلتهم قوات النظام السوري في منطقة الحدود السورية اللبنانية عند معبر المصنع الحدودي، واقتادتهم إلى مراكز الاحتجاز التابعة لها في مدينة دمشق، خلال حزيران/يونيو، وأنه تم اعتقال 23 شخصا خلال شهر أيار/مايو الماضي لدى النظام السوري من اللاجئين السوريين العائدين من لبنان والأردن. كما أشار مركز “وصول” لحقوق الإنسان في 14 حزيران/يونيو إلى أن مخابرات الجيش اللبناني سلمت ضابطا منشقا إلى أحد الأفرع الأمنية في سوريا بشكل مباشر.
ونشر المحامي ورئيس برنامج الدعم القانوني في مركز سيدار للدراسات القانونية محمد صبلوح على صفحته على فيسبوك، معلومات تفيد بأن “الأمن العام قام بترحيل سوري على الرغم من إبلاغه أن النظام (السوري) أعدم شقيقيه”.
مداهمات وعمليات ترحيل
في 20 حزيران/يونيو، قامت مديرية الأمن العام ومديرية أمن الدولة في برج حمود في بيروت العاصمة اللبنانية بمداهمات على محلات يشغلها سوريون، حسب شهادة أحد سكان الحي لمهاجر نيوز وتأكيد مركز “وصول” لحقوق الإنسان، وتم إغلاق ثلاث محلات واحد للخضار وآخر للموبايلات وآخر للأجبان والألبان وتوقيف ستة لاجئين سوريين، وتكبيلهم ووضعهم في سيارات، وهم ليس لديهم إقامات نظامية ولا يزال مصيرهم مجهولا، وكذلك حدثت مداهمات في حي الأشرفية، وفي مناطق عدة.
وكان مركز “وصول” قد سجل أيضا عددا كبيرا من الانتهاكات بحق السوريين وخصوصا في الشهرين الأخيرين، وقال سابقا إن “الحملات الأمنية والمداهمات تتضمن عمليات تفتيش عدائية تشمل مساكن اللاجئين وأماكن العمل بهدف طردهم وترهيبهم لإجبارهم على العودة”، وإن المُرحّلين “يتم نقلهم عبر آليات عسكرية إلى الحدود حيث يتم تسليمهم إلى الجيش السوري”، وأن عمليات الترحيل هذه تحدث “دون وجود تمثيل قانوني أو جلسات استماع”.
ويشير أيضا إلى أن عدد حالات الإخلاء القسري للسوريين في لبنان في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، وصل إلى 1306 حالات في حين أن العدد كان 78 حالة في الفترة نفسها من العام الماضي. أي تضاعف الترحيل أكثر من 14 مرة. واتهم حقوقيون الجيش اللبناني ومخابرات الجيش، والأمن العام وشعبة المعلومات والبلديات بأنها جهات رئيسية تواصل ارتكاب الانتهاكات ضد اللاجئين في الحملات الأمنية الأخيرة.
السياسة اللبنانية ماضية في الترحيل
وكان البرلمان اللبناني قد أوصى في منتصف أيار/مايو الماضي بـ”ترحيل” اللاجئين السوريين المقيمين “بطريقة غير شرعية”. أتى ذلك بعد موجة من الخطابات للسياسيين اللبنانيين تدعو جميعها إلى إعادة السوريين وترافقت بحملات إعلامية تحريضية ضد الوجود السوري، الذي بدأ بعد اندلاع الاحتجاجات ضد النظام عام 2011 وتكثف خلال سنوات الحرب التي تلتها. وتقدر الأمم المتحدة نسبة السوريين غير الشرعيين في لبنان بنحو 80% نظرا للشروط الصعبة للحصول على الإقامة والكلفة المرتفعة لها.
وورد على صفحة المديرية العامة للأمن العام اللبناني أن عمليات “العودة الطوعية للسوريين” قد بدأت منذ 2019، وأن واحدة من هذه العمليات تمت قبل شهر ونصف لـ225 شخصا عبر نقطتي الحدود في عرسال والقاع، وأن ذلك تم “بالتنسيق مع السلطات الأمنية على الجانب السوري، وبوجود مراقبين من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”.
وفي 11 حزيران/يونيو، شارك نائب في البرلمان، سليم عون، في عملية إزالة مخيم 009 والذي كان يضم نحو 500 سوري في المدينة الصناعية بزحلة، بإشراف المخابرات وشرطة بلدية زحلة، وترك المهاجرون في العراء دون تأمين أي بدائل لهم، حسب قول أحد اللاجئين .
تصاعد قلق المنظمات الحقوقية
يتصاعد القلق بشأن هذه الإجراءات التعسفية التي تتخذها السلطات اللبنانية بحق السوريين، فقالت منظمة العفو الدولية في منتصف أيار/مايو الماضي على منصة إكس إن “السلطات اللبنانية، بتسهيلها عمليات العودة هذه، تتعمد تعريض اللاجئين السوريين لخطر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. ويتعين على لبنان احترام التزاماته بموجب القانون الدولي ووقف خططه لإعادة اللاجئين السوريين بشكل جماعي”. وشددت على أن “القانون الدولي يحظر الإعادة القسرية ‘البناءة‘، والتي تحدث عندما تستخدم الدول وسائل غير مباشرة لإجبار الأفراد على العودة إلى مكان يكونون فيه عرضة لخطر حقيقي بالتعرّض لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”.
كما شدّدت سبع منظّماتٍ في بيانٍ صدر في الفترة نفسها على ضرورة أن يوقف لبنان عمليات الترحيل القسري للاجئين السوريين، وأن تُلغى التدابير الظالمة غير المسبوقة التي أعلن عنها يوم 8 أيار/مايو 2024. وأضاف البيان أن على الدول المانحة أن تطالب لبنان باحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، وأن تضمن أن المساعدات التي تقدمها لا تستخدم في تسهيل عمليات الترحيل التعسفية.
وكان الاتحاد الأوروبي قد أعلن في بداية أيار/مايو تخصيص مبلغ 1.07 مليار دولار دعما “لاستقرار” لبنان معولا على “التعاون الجيد” من أجل مكافحة عمليات تهريب اللاجئين انطلاقا من السواحل اللبنانية. وبعض اللبنانيين رؤوا في ذلك نوعا من “الرشوة” من أجل ضمان عدم تدفق المهاجرين إلى أوروبا.
ومذاك تصاعدت لهجة السياسيين وكذلك الإجراءات التعسفية بحق اللاجئين. فعلى سبيل المثال، طالب حزب القوات بمنع استقبال اللاجئين في المدارس، وأمر محافظ شمال لبنان بإخلاء مساكن ومحال السوريين في البترون، إضافة إلى الاستمرار في الضغط على المفوضية السامية لحقوق اللاجئين بتسليم بيانات اللاجئين السوريين، فقد أعلنت الحكومة في 19 حزيران/يونيو أنها ستنفذ “الخطة ب” إن لم تتسلم بيانات السوريين. و”الخطة ب” تتضمن اعتبار كل لاجئ سوري غير شرعي إن لم تسلم المفوضية البيانات، وكذلك هدد سمير جعجع بإجراءات قانونية وإغلاق مكاتب المفوضية متهما إياها بتأزيم لبنان عبر دمج السوريين فيه، الأمر الذي تنفيه المفوضية مرارا.
ما هو دور المفوضية السامية لحقوق اللاجئين في حماية المسجلين لديها في لبنان؟
وتواصل فريق مهاجرنيوز مع معاونة مسؤول الاتصالات في المفوضية السامية لحقوق اللاجئين في بيروت ليزا أبو خالد، بشأن دور المفوضية في عمليات الترحيل هذه، وردت أبو خالد “إن المفوضية ليست حاضرة عندما يقوم اللاجئون بالتوقيع على وثائق العودة لدى الأمن العام”، وذلك رغم أن “المفوضية تعمل بشكل وثيق جدا مع مكتب الأمن العام الذي يسهل، نيابة عن الحكومة اللبنانية، عودة السوريين الذين أعربوا عن رغبتهم في العودة والموقعين لديه”.
وحول آلية عمل المفوضية في هذه المرحلة، تقول أبو خالد “يتم التواصل مع اللاجئين وتقديم المشورة لهم، عندما يكون ذلك ممكنا، والتواجد في نقاط المغادرة قبل عودتهم والتحدث مع اللاجئين كجزء من وظيفة الحماية لدينا” وأن ذلك يحدث منذ عام 2018. وتضيف “استنادا إلى المعلومات التي يشاركها الأمن العام، تقوم المفوضية بالاتصال بالأفراد المقرر عودتهم لتحديد الحالات التي لديها احتياجات مساعدة محددة. وتسعى المفوضية ضمن الحدود الممكنة إلى مساعدة اللاجئين في الحصول على كامل أوراقهم الثبوتية قبل عودتهم”.
وللتدليل على عملهم بشكل أكثر تفصيلي، قالت أبو خالد “على سبيل المثال، تقدم فرق المفوضية الموجودة في نقاط التجمع المشورة، وتتدخل مع الأمن العام باسم اللاجئين وتقدم منشورات عن المراكز المجتمعية والتابعة التي تدعمها المفوضية في سوريا والخدمات المتاحة فيها. تحتفظ المفوضية أيضا بأعداد اللاجئين وتتواصل مع المفوضية في سوريا بشأن نطاق ولوجستيات الحركة، وتشارك أرقام هواتف اللاجئين العائدين الذين وافقوا على الاتصال بهم من قبل المفوضية في سوريا بعد عودتهم للمتابعة حسب الحاجة”.
ولم ترد المفوضية على أسئلتنا بشأن المعادين الذين اعتقلوا في سوريا، وبشأن المتابعة في مكاتب المفوضية في سوريا وبتحديد صفة العائدين بالنسبة لها، وكذلك ملاحظاتهم حول عمليات انتهاك على نقاط المغادرة، أو تجاه شكاوى وردت إلى مهاجرنيوز من لاجئين سوريين تحاول المفوضية إقناعهم للتوقيع على وثائق العودة “الطوعية” مع الأمن العام، حسب أقوالهم وحسب تأكيد المحامي محمد صبلوح لمهاجر نيوز، الذي تساءل خصوصا بشأن من يضع معايير الخطر الذي قد يتعرض له المرحلين، والمسؤولية تجاه حماية اللاجئين إن كان من جانب المفوضية أو من جانب الأمن العام. وعن غير المسجلين في المفوضية، يقول صبلوح “يرحلونهم فورا، حتى المطلوبين للخدمة العسكرية أو الاحتياط”.