دين الفائدة يمزق المجتمع السوري شمالي حلب

 

 

 

 

 

 

تفشت ظاهرة دين الفائدة في مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي نتيجة الظروف الاقتصادية والمعيشية التي يواجهها الأهالي، حيث يضطرون إلى استدانة الأموال مقابل دفع فائدة على المبلغ المستدان باتفاق ملزم بين الطرفين يحدد فيه فترة تسليم المبلغ ونسبة الفائدة.

وتسببت ظاهرة دين الفائدة المتنامية في تراكم الديون في ظل العجز الاقتصادي وصعوبة تسديد الأموال لأصحابها، مما أسهم في تدهور الأحوال الاقتصادية لشريحة واسعة من السكان، فضلاً عن الآثار السلبية التي تنعكس على العلاقات الاجتماعية.

؟

انتشار دين الفائدة

؟

يشتكي الأهالي في مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي من تفشي ظاهرة دين الفائدة، التي أدت إلى خسارة أملاكهم من عقارات وآليات نتيجة تراكم الديون وارتفاع النسب التي يحصل عليها العاملون في هذا المجال.

وتتفاوت المبالغ المالية المضافة على الديون من سمسار إلى آخر، حيث تبدأ نسبتها من 5 إلى 10% من المال المستدان شهرياً، وتلزم طرفي الاتفاق بما يضمن حق الاستفادة من المال المستدان. وفي حال عدم السداد خلال الفترة المحددة، يستولي صاحب المال على أملاك تساوي المبلغ الواجب دفعه.

وقال رجل ستيني من أهالي قرية الكفرة شمال حلب (تحدث لموقع “تلفزيون سوريا” شريطة عدم الكشف عن هويته): “اضطررت إلى بيع هكتار (10 دونمات) من أرضي الزراعية منتصف الشتاء الماضي بعد زج ابني في السجن نتيجة تراكم دين الفائدة عليه”.

وأضاف أن ابنه افتتح محلاً لبيع الألبسة الرجالية لكنه تعرض لخسارة مالية، مما اضطره إلى استدانة المال من رجل يعمل في محل صرافة لسداد الدين للتجار في سوق الألبسة.

؟

وأوضح أنه استدان بالفائدة، ويجب أن يدفع على كل 1000 دولار أميركي نحو 50 دولاراً شهرياً، وفي حال التأخر يتضاعف المبلغ، ما تسبب في تراكم الدين على مدى عدة أشهر. لكن الوثائق التي وقع عليها تلزمه ببيع الأملاك العقارية والآليات، أو تسليمها للدائن بما يساوي المبلغ.

وتدفع الظروف الاقتصادية المتردية التي يعيشها الأهالي إلى استدانة الأموال بهدف تغطية المناسبات (عمل جراحي، حالة مرضية، أفراح، مشروع..) أو بسبب خسائر في الأعمال التجارية والصناعية والزراعية، مما يضطرهم إلى سداد الديون المتراكمة.

وأوضح شخص آخر أنه اضطر إلى استدانة مبلغ مالي قدره 1000 دولار أميركي بهدف استكمال تكاليف زواج ابنه الأكبر، على أن يدفع عليه نحو 200 دولار لمدة ثلاثة أشهر، وفي حال التأخر عن الدفع ليوم واحد، يتضاعف المبلغ من 200 إلى 400 دولار.

وفي هذا المجال، يعمل العديد من رؤوس الأموال، بينهم أصحاب محال الصرافة والحوالات المالية، إذ تشكل هذه العمليات مردوداً مالياً في ظل غياب الرقابة الحقيقية من السلطات المحلية.

 

وأوضح المحامي والحقوقي يوسف حسين أن دين الفائدة ظاهرة تتفشى ضمن المجتمعات الفقيرة، وتظهر جشع أصحاب رؤوس الأموال في استغلال الفقراء وأصحاب الحاجة عبر إقراض المال مقابل فائدة باهظة، وهو ما يعرف بالربا المحرم في الشريعة الإسلامية.

وقال خلال حديثه : “إن القانون السوري وضع شروطاً لتجريم دين الفائدة، ومنها الاعتياد والتكرار، حيث يجب أن يكون المقرض قد قام بأكثر من عملية إقراض بفائدة كبيرة ولو كانت لذات الشخص خلال مدة ثلاث سنوات”.

وأضاف: “إن الواقع يخضع للتحايل من قبل أصحاب الأموال على القانون، وذلك عن طريق توثيق القرض بسندات أمانة وعقود بيع عقارات، حيث تتضمن تلك السندات المبلغ مع الفائدة، وبالتالي يصعب إثبات الجرم”.

وأكد أن دين الفائدة جريمة قانونية وظاهرة منتشرة في الشمال السوري، وتأخذ صيغاً مختلفة يصعب ملاحقتها وإثباتها بسبب عقود الإذعان التي يوقعها الدائن مع صاحب الحاجة، الذي يكون تحت ضغط الحاجة مستعداً لتوقيع أي وثيقة في سبيل تأمين المال لقضاء حاجته.

؟

أسباب وعوامل اقتصادية

؟

شكلت الأزمات السياسية والاقتصادية التي يعيشها المجتمع السوري سبباً لظهور العديد من الظواهر السلبية، ومنها دين الفائدة، الذي يعتبر ظاهرة اقتصادية، ولكنه لا ينحصر في المجال الاقتصادي فقط، وإنما يتعدى إلى الجانب الاجتماعي.

وأوضح الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر أن ظاهرة دين الفائدة لم تكن منتشرة بهذا الشكل شمالي سوريا، لكن الظروف الحالية تسببت في تفشيها نتيجة أسباب وعوامل اقتصادية أهمها:

  • انتشار البطالة والفقر وتراجع مستوى الدخل يدفع السكان إلى الاستدانة بالفائدة، في وقت تكاد مصادر تمويل الأسر تكون شبه معدومة.
  • تراجع فاعلية المنظمات الإغاثية والإنسانية، وعدم وجود بنوك إسلامية فعالة، دفع الأفراد للاقتراض بالفائدة.
  • وجود أصحاب أموال من حديثي النعمة يرغبون في جني الأرباح من خلال دين الفائدة.
  • التفاوت الحاد في مستوى الدخل خلق أزمة اقتصادية واجتماعية مهدت وساعدت على انتشار ظاهرة الاقتراض بالفائدة.

وقال السيد عمر خلال حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”: “إن الآثار الاقتصادية المترتبة على ظاهرة دين الفائدة تظهر في توجه رؤوس الأموال إلى القروض وإبعادها عن المسارات الإنتاجية، وهو ما يعزز من البطالة وتراجع المؤشرات الاقتصادية الكلية والجزئية”.

وأضاف: “في حال توجهت هذه الأموال إلى الإنتاج والاستثمار لكانت حققت المنفعة لأصحاب رؤوس الأموال والمجتمع ككل”. وأكد أن دين الفائدة يعزز من الفقر، كون غالبية دخل الفقراء يكون موجه لسداد الفائدة دون نقصان أصل الدين.

 

وأكد تقرير سابق للأمم المتحدة، صادر في عام 2020، أن غالبية السكان في شمالي سوريا يلجؤون إلى بيع الممتلكات للإنفاق على أسرهم، لكن حالياً لم تعد هذه المصادر موجودة، مما مهد إلى الاعتماد على الاستدانة بالفائدة.

؟

دين الفائدة يمزق المجتمع

؟

يسهم انتشار دين الفائدة في تقسيم المجتمعات إلى طبقات اجتماعية بناءً على الواقع الاقتصادي، حيث يظهر الأول بالغ الثراء والثاني شديد الفقر. وهي حالة تعيشها مناطق شمال غربي سوريا، وتهدد البنية الاجتماعية، وتترك آثاراً سلبية طويلة الأمد وعلاجها يستغرق الكثير من الوقت.

وأوضح الباحث الاجتماعي والتربوي عبد الله درويش أن دين الفائدة يؤثر بشكل سلبي على المجتمعات، كونه يرهق الفرد والمجتمع ككل ويجعله عبداً للدائن، مما سينعكس على العلاقات الاجتماعية التي ستكون عرضة للتساقط والانهيار.

وقال خلال حديثه : إن انتشار دين الفائدة يتسبب في نمو الطبقية بين المجتمعات، حيث توجد فئتان: الأولى فقيرة ومرهقة تغرق في الرمال المتحركة، والثانية غنية دائنة تمتص جهد الفقراء المستدينين”.

وأضاف: “انعكاس ذلك على العلاقات الاجتماعية سيكون من خلال تولد الكراهية، فالأول سينظر للثاني على أنه يمتص تعبه ويستغله، والثاني سينظر للأول على أنه قليل الفاعلية وعاطل عن العمل. هذا المنظور سيخلق فجوة اجتماعية طبقية بين مكونات المجتمع الواحد”.

كما أشار إلى أن المجتمع في الشمال السوري يعيش في حالة علاقات اجتماعية غير صحية وممزقة، في ظل انتشار مصطلحات متعددة مثل: النازحين والمهجرين، والسكان الأصليين، والأغنياء والفقراء، نتيجة العديد من العوامل. في حين تعتبر العلاقات الاقتصادية مثل دين الفائدة إضافة جديدة تسير نحو تفكك المجتمع وبث الكراهية الشديدة، قد تصل إلى حدود العنف والجرائم وإنكار الحقوق.

 

وتابع أن الأسباب الرئيسية تعود إلى حالة الانقسام الحاد في المستويات المالية وسط غياب الطبقة الوسطى من المجتمع، ما يعني ارتفاع نسبة الطبقة الفقيرة التي لا تملك شيئاً سوى الخدمات العامة. لكنها ضعيفة ومحدودة، إضافةً إلى غياب التكافل المجتمعي، ما يخلق فجوة كبيرة تساهم في تفشي ظاهرة دين الفائدة.

وبحسب مؤشرات فريق “منسقو استجابة سوريا” في الرابع من شهر آب الفائت، فإن نسبة العائلات الواقعة تحت الفقر تخطت حاجز الـ 91.18%، بينما العائلات الواقعة تحت خط الجوع وصلت نسبتها إلى 41.05% من إجمالي العائلات الواقعة تحت خط الفقر.

وتشكل المظاهر السلبية المتفشية في المجتمع شمالي سوريا حالة سيئة للغاية، كونها ناتجة عن ظروف وعوامل اقتصادية ومعيشية وسط انعدام مصادر الأمان والاستقرار الحياتي، مما ينعكس سلباً على العلاقات والتماسك الاجتماعي بين السوريين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى