مجزرة حلب بين رغدة نعناع والحسون و”بي بي سي”… راشد عيسى

اعتذرت الفنانة المصرية (الحلبية الأصل) رغدة نعناع، في مقابلة تلفزيونية مع المذيعة لميس الحديدي على 02qpt997فضائية «سي بي سي»، منذ البداية عن الملابس التي ظهرت بها في المقابلة، فهي كانت في طريقها إلى بروفة عرض مسرحي، ولا ندري إن كانت تقصد أنها جاءت بلباس الشخصية التي تؤديها، أي شخصية «الأم شجاعة»، ويبدو أنها قامت بتمصيرها، أي تحويلها إلى اللهجة المصرية، وهي في الأصل المسرحية الألمانية الشهيرة التي كتبها برتولد بريشت، وأرجو هنا أن لا أكون قد أسأت إن ذكرت اسم المسرحي الألماني الأشهر إلى جانب اسم الشبيحة الحلبية الأشهر. (وأرجو أن لا أكون قد أسأت ثانيةً حين وصفتها بالحلبية، في وقت تتنكر فيه بكل قوتها لمدينتها وأهلها، تلك التي أرادها المتنبي مقصداً، وأنكر على الرياض كل رحابتها وترحيبها، معتبراً إياها مجرد معبر إلى حلب).
لكن رغدة نعناع لم تخرج حقاً من ملابس الشخصية، التي تتحدث عنها، تلك التي وصفتها بأنها سمسارة حرب، تعيش وترتزق من الحرب واستمرارها. الأم شجاعة، كما قدّمتها نعناع لم تكن سوى ردّاحة من قاع المسلسلات المصرية. التماهي بين الشخصيتين بلغ أشدّه، ولا ندري إن كانت لغة الجسد، تعود إلى نعناع، أم إلى الأم شجاعة (لنسمّها منذ الآن «الأم ردّاحة»)، خصوصاً وهي تبتلع بحركة يديها، المكان، الاستديو، والمذيعة، وتضرب كل شيء، بعرض الحائط.

أداء شارعيّ

أداء رغدة شارعيّ بالكامل، إن استطعتَ، جرّب مشاهدة المقابلة من دون صوت، انظر حركة اليدين الشارعيتين، خصوصاً وهما تقولان «طز في الأمم المتحدة»، وتعيدان «طز في الصليب الأحمر»، أو حين تتغلغل اليدان، من دون توقف، في الشعر الطويل المنكوش الذي نذرته الفنانة لساحة سعد الله الجابري في حلب، أن تنثره هناك بعد خروج آخر «إرهابي» من المدينة.
أنكرت رغدة نعناع أن يكون نظام بشار الأسد قصف مشفى «القدس» في مدينة حلب، وادّعت أن طائرة لم تتحرك من مكانها، ومن أجل أن تثبت نظريتها كان عليها أن تشكك بمصداقية الكون كله، الأمم المتحدة، الإعلام، والإعلاميون بالنسبة إليها إما مرتزقة، أو مغيبون، أو كسالى. كذلك كان عليها أن تشتم دولاً بحالها، فهذا زعيم لص، وذاك كذا… إنها لم توفر حتى المذيعة قبالتها، وراحت تعيد عليها إنه ينبغي لها أن تحسّن من اطلاعها ووعيها، هي المقبلة من لندن، كما لو أن المذيعة ارتكبت عاراً في وجودها في العاصمة البريطانية، أو أن القادم من لندن لن تكون رؤيته للواقع السوري مكتملة مثلها هي التي تقطن القاهرة.
ما من داع ليجادل المرء في حقيقة قصف نظام رغدة نعناع لحلب، فلطالما أكد زملاؤها من أزلام النظام أن هذه هي رغبتهم، بدءاً من رغبة النظام وشعرائه وفنانيه بتحويل درعا (مهد الثورة السورية) إلى حقل بطاطا، إلى مطالبة نجدت أنزور بقصف المدن بالبراميل باعتبارها حواضن للإرهاب، أو تلك الناشطة التي كانت تحلم بدمشق من دون ريف (باعتبار الريف هو الثائر).
لا مناص من القول إن بعض الكلام، والأداء، على انحطاطه، يصيبك حقاً بالفزع، لا يمكنك أن تتجاهله، ما دام قد وصل إلى ملايين الناس من متابعي الشاشات. لا مناص من القول أيضاً، حين يفلت هكذا كلام على الشاشات ليس أقل من القول «ضبّوه».

بين رغدة والحسون

في الواقع جرّبتُ دائماً هذه اللعبة منذ اندلاع الثورة في سوريا: كلما أطلقتْ رغدة نعناع تصريحاً بحثت فوراً عن تصريح موازٍ لمفتي سوريا بدر الدين حسون، هذه المرة أيضاً وجدته يتحدث مثل نعناع تماماً، لقد قال للشاشة الرسمية السورية إن قصف مشفى «القدس» جاء من إحدى المجموعات المعارضة كي يتهم فيها النظام. وطالب حسون بـ «غضبةٍ من جيشنا تتحرك لتنهي هذه الأزمة»، وكأن حسون غافل عن أن جيشه لم يترك وسيلة إجرامية إلا استخدمها، من صواريخ السكود، التي أبادت أحياء بحالها، إلى الكيميائي في الغوطة الشرقية، إلى اختراع البراميل المتفجرة تُلقى عشوائياً على رؤوس الناس. في مطالبة حسون، وفي إنكاره من الأساس، وحشية لن تجدها إلا في أقبية المخابرات، هكذا نعرف ما هو المصدر الذي ينهل منه حسون، وتنهل منه رغدة نعناع.

«بي بي سي» تعتذر في المكان الخطأ

اعترفت «بي بي سي» بالخطأ في خبر بثّته على شاشتها يقول إن 44 مدنياً قتلوا في قصف لفصائل المعارضة السورية على مناطق سيطرة النظام. فيما الحقيقة أن هؤلاء قتلوا في قصف لقوات النظام. «بي بي سي» اعتذرت عن الخطأ، لكن ليس في المكان الذي نشر فيه الخبر، بل على مواقع التواصل الاجتماعي.
ليست المشكلة هنا فقط، لم تكن هذه المرة الأولى التي تضلّ فيها القناة العريقة طريق الحياد والموضوعية، يكفي أن تأخذ من مراسل في دمشق هو عساف عبود، حتى نتأكد بأن القناة وصلت إلى مكانة لا تليق.
هذا ليس مجرد خطأ عابر، المحطة برمتها تحتاج إلى صياغة جديدة، وإعادة تقييم، كي لا تصبح «مناراً» أو «ميادين».

صور الضحايا المصريين

يُقتل المواطن الإيطالي ريجيني في القاهرة فتصبح صورته أيقونة عالمية، لأن صورة ريجيني سترفق مع كل خبر جديد بخصوص التحقيق في مقتله.
يقتل مواطن مصري في أنديانا الأمريكية، وآخر في ضواحي لندن، فتصبح صورة السيسي، أو وزير خارجيته، هي «الأيقونة»، لأن صورة السيسي، أو رجاله، هي التي سترافق كل خبر عن مقتل المواطن المصري. ليس هذا مجرد كسل عند الإعلاميين الذين لا يتعبون أنفسهم في البحث عن صور الضحايا من مواطنيهم، ذلك أصدق تعبير عن توجهات إعلام السيسي.

 

 

عن القدس العربي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى