صراخ بغير صوت .. زكريا تامر
وقف أحد الحجاج العرب على جبل عرفات، ورنا إلى السماء متضرعاً إلى الله بصوت خاشع متهدج نابع من قلب يئن تحت جبال من الحزن..
تضرع إلى الله أن يطيل أعمار الحكام العرب، فهم زينة الحياة الدنيا والربيع والخريف والصيف والشتاء، واختفاؤهم من الحياة يعني اختفاء العدل والحرية والزهد والتواضع الجم واحتقار المال..
تضرع إلى الله أن يلهم الجيش الأميركي أن يرسل طائراته وصواريخه إلى سماء الأرض العربية لتخلص المدن والقرى من فوضى طرقها وقبح أبنيتها، ولتخلص الناس من حياة دكناء ليس فيها ما يسر ويغري بالبقاء..
وتضرع إلى الله أن تكف الشمس عن الشروق كل صباح، فالظلمة تستر والنور يفضح..
وتضرع إلى الله أن يزداد عدد السجون حتى يتاح لكل معوز الحصول على قوته اليومي من غير جهد يحول الصخور غباراً..
وتضرع إلى الله مطالباً بأن تستمر الصحافة العربية في عدائها المر للنفاق والكذب..
وتضرع إلى الله أن تصبح صفحات الكتب بيضاً من غير سوء متنكر يسمى بالكلمات..
وتضرع إلى الله أن تختفي الفواكه واللحوم من الأسواق حتى لا ترى العيون ما يجلب الهم والغم والحسرة..
وتضرع إلى الله أن يتزايد الحر في الفصول الأربعة حتى لا يضطر أي واحد إلى ارتداء الثياب وشرائها، وتتحقق المساواة في الشكل الخارجي بين الشحاذ والمليونير..
وتضرع إلى الله أن تسير الأنهار إلى الوراء مقلدة بعض الناس، فلا مسوغ للاختلاف بينهما ما داما يعيشان على أرض واحدة..
وتضرع إلى الله أن يتخلى التجار في الميادين السياسية عن مقتهم للمال، ويوافقون على بيع أوطانهم بأبخس الأسعار، ويصبح مالكها هو المسؤول الوحيد عن العناية بعقاراته البشرية والحجرية..
وتضرع إلى الله أن تتابع الحرية انتصاراتها، وتنتقل من حرية التثاؤب إلى حرية التمطي إلى حرية التشاجر مع الزوجات..
وتضرع إلى الله أن يرحم عباده، فتختطف أرواحهم وهم يشاهدون المسلسلات التلفزيونية المسلية.
وكان الحاج العربي شديد الإيمان بأن تضرعاته ستحظى بمنصت لها لا يمهل ولا يهمل.