الشاعرة السورية رشا عمران في مقابلة مع جيزيل خوري: «المشهد» مزوّراً…

 

تصحّ مقابلة الشاعرة السورية رشا عمران في برنامج «المشهد» على قناة «بي بي سي» أن تكون نموذجاً للتزوير، الذي يطال واقعاً يعرفه كثيرون، وليس بالإمكان تمريره إلا في حالتين، يذكرهما مثل شعبي معروف يقول «اثنان لا تصدّقهما، شاب متغرّب، واختيار مات جيله». ليس بالإمكان أن ينطلي «المشهد» على أحد، خصوصاً وهو يطالعنا بتقديم حلقته تلك بالقول «تحوّل منزل الكاتبة والشاعرة رشا عمران إلى مركز للناشطين الشباب في أيام المظاهرات السلمية، تحدّيها للنظام السوري بدأ مع تنظيم المهرجان الثقافي «السنديان» في قريتها قبل عام 2011 بسنوات».
كلام يدفع إلى الظن بأنك أمام جميلة بوحيرد الثورة السورية، وكأن الثورة برمتها قد خرجت من منزل رشا عمران، فهناك، على ما يروي البرنامج، كان الشبان والصبايا على الدوام، هذا خرج من الاعتقال، وهذا جرح في مظاهرة، وذاكو.. وفوق ذلك هناك التهديدات والمضايقات وهواتف لا تكف عن الرنين.
لا ننكر على رشا عمران موقفها تجاه النظام، وقد قالته في مقابلات وكتابات هنا وهناك، لكن في «المشهد» بعض المبالغات التي تقتضي التصويب.
– تعرّف خوري ضيفتها بأنها إبنة الشاعر السوري محمد عمران، الذي رأس تحرير «ملحق الثورة الثقافي»، هذا الذي كان «واحة لنقاشات حادة فكرية وثقافية»، حسب التقديم. لكن جيزيل لم تقل إن هذه «الواحة» جاءت في وقت كان عدد من المثقفين السوريين، ومن أبرزهم زكريا تامر، مطاردين بسبب موقفهم من دخول الجيش السوري إلى لبنان، ومن مجازر «تل الزعتر» (وهذه ملاحظة سبق أن أشار إليها المفكر صادق جلال العظم). واحة محمد عمران وأدونيس (إذ كان من كتّاب الملحق حينذاك) تلك جاءت على حساب من زجّ في السجون، ومن طُرد خارج البلد، خشية الاعتقال.
– كذلك تبدو قرية الملاجة، بفعل «مهرجان السنديان»، الذي استمرّت عمران في تنشيطه، تخليداً لذكرى أبيها، وكأنها عاصمة «المقاومة السورية»، فبسبب المهرجان لم يخرج من القرية «شبيحة» على ما تقول الشاعرة السورية، وبسببه صارت القرية لا تنتمي إلى المحيط السائد.
المهرجان يجري وصفه في الحلقة، كما لو أنه فعل مقاومة وصمود وثورة مبكرة في سوريا، في وقت نعرف جميعاً أن تلك الأمور لم تكن لتتم من دون كومة موافقات وانتظارات على أبواب المدراء والوزراء.
لقد جرت تلك المهرجانات، في وقت اعتقل نشطاء من بلدة داريا لسنوات لأنهم قاموا بمبادرات، لا هي ثقافية ولا سياسية، بل إن مجرد تنظيف صامت للشوارع أخذ الناس إلى السجون لسنوات.
-حكايتان لو كانتا لي لن أرويهما على الشاشة، لأن فيهما تبييضاً مجانياً لصورة النظام، عدا عن أن فيهما من الهزل ما يجعل من تبقى حياً من المعتقلين يتمنى الموت. في الأولى تروي الشاعرة السورية كيف هتف لها ضابط من أحد فروع الأمن أنْ تعالي خذي ابنتك، قبل أن تتمّ أربعاً وعشرين ساعة من الاعتقال إثر مظاهرة، الأمر الذي لم يتوفر لآلاف السوريين الذين لم يعرف الذباب الأزرق مطرحاً لهم.
أما الحكاية الثاثية فهي أن ضابط الأمن نفسه هدد (تصاعدياً) رشا ثلاث مرات كي تخرج من البلد، وكانت تلك بداية نزوح الشاعرة. ونحسب أن ملايين السوريين، وربما السويسريين، يحسدون رشا عمران على طول بال النظام معها إلى هذا الحدّ.
-تختصر موقفها من الوضع الحالي بالقول إنها تأسف لأن الثورة لديها من الإقصاء والإلغاء ما لا يختلف عما فعله النظام. وأنها لا تبرر السلاح إلا في البدايات، ولا يمكن تبرير التسليح الحالي (طبعاً هذا في وقت يصبّ السوريون غضبهم اليومي على العالم بسبب نقص التسليح)، وهي تتهم المعارضة بالتطييف (من طائفية)، وتؤكد أن «المعارضة الحالية لم تستطع فعل شيء وطني حقيقي، بالمعنى السوري، بمعنى الهدف السوري».
وتشرح أن ما نفّرها أن علاقتهم (أي المعارضة) مع الأقليات والنساء تختصر بعبارة «اضحك على شان الصورة تطلع حلوة».
بعد كل ذلك يعتقد المرء أن السؤال الملح المتوقع، ما الذي يدفع رشا عمران لأن تبقى في الغربة، في المواويل والشوق والحنين، ما دام هذا ما تفكر فيه. إن هذا الشريط، المقابلة، هو دليل براءة صريح من المعارضة، بإمكان المرء أن يصطحبه معه إلى أحضان الوطن فيستقبل بكل الحب.

 

 

الضوء بأي ثمن

يأبى المغني اللبناني راغب علامة إلا أن يكون حاضراً بأي ثمن، فهو يستغل حدث اغتيال الكاتب الأردني ناهض حتّر لينشر صورة له (لراغب علامة)، يجري تداولها بقوة على مواقع التواصل الاجتماعي، تجمعه بوزير الخارجية الأردني حينذاك، مع تعليق يقول «عندما تعرّضت لمحاولة اغتيال أصرّ معاليه وبرعاية ملكية ونخوة أردنية على أن أنتقّل برفقته وبسيارته الخاصة إلى باب الطائرة الخاصة التي وضعها بتصرّفي المغفور له جلالة الملك حسين رحمه الله».
صعب أن يفهم المرء إلام يرمي علامة من وراء الصورة، إلا أن يقول «وأنا أيضاً تعرضت لمحاولة اغتيال»، وبالتالي هو يريد الضوء بأي ثمن، هذا نموذج آخر لكي نفهم كيف يخترع الفنانون قصص وإشاعات موتهم باستمرار.

 

راشد عيسى | القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى