من زيتون إدلب إلى الجولاني .. نجم الدين سمان
السلامُ على أرواحِ السوريين.. ورحمة الله وبركاته.
أمَّا بَعدُ:
فقد رأيتُ فيما يرى الحَالِمُ والمُعتَقلُ والمُغتَصَبَةُ والشهيد.. آلافَ الأشجار تحترق؛ حتى مَسَّت النارُ فِرَاشِي في تغريبتي؛ وفيما أنا بينَ نيرانِ الحُلم وماءِ صحوتي.. سمعتُ زيتون مدينتي يلومُني لابتعادي عنه؛ ولأنّي لم أشارِك في تحريره من الطاغية؛ ولا سلاحَ لِي سوى قلمي؛ ويلومني لأنّي لم أعبُر ” باب الهوى” إليه؛ بعد انحسارِ الاستبدادِ عنه؛ ثمّ امتدَّ إليَّ في تغريبتي غُصنًا وَارِفًا بدمعِ الزيت:
– اكتُب الآنَ قبلَ المَقتلة الكبرى لمدينتك.. فهذا أضعَفُ الإيمان.
ثمّ أنِّي حَاوَرتُهُ طِيلةَ ليلي ونَهَارِه:
– من سيسمع مُثقفًا مثلي؛ زوَّادتُهُ.. كُتُبٌ؛ ثمَّ أحرقها جُندُ الطاغية في “التنكات” طِيلةَ قصفِهِم لمدينة داريا؛ ومثلي كثيرونَ في تغريبتنا يكتبون لِكَفَافِ يومهم؛ واستبعدتهم كلُّ المُعارَضات؛ فكيف يسمَعُنِي مَن بَايَعَهُ الآلافُ ليكونَ أميرَهُم على كلِّ بلاد الشام؟!
هَزَّنِي الزيتونُ من شِغَافِ قلبي:
– قُل كلمتَكَ.. فحَسبُ؛ أو ستبقى كالشوكِ في لَهَاتِكَ حتى مَمَاتِك؛ ولا تطلب الأمَان من أحدٍ حين تقول؛ فما طلَبتَهُ من أحدٍ لنفسِكَ؛ بل إنّهُ اليومَ لكلِّ أبناء مدينتك؛ وللوَافِدِين إليها بحقائب الحصار والتجويع والتهجير.
قلتُ للزيتون:
– لكنّي كتبتُ مِرَارًا منذ 3 سنوات؛ حتى انفجرت في الحَشَا “مَرارَتِي”: حربُ المُدُن بينَ المدنيين لا تُجدِي؛ عليكُم بحرب العصابات. فرَدَّ بعضُهم بِلُغَةِ شبّيحة الاستبداد ذاتها: ومن أنتَ لتُشِيرَ علينا؛ ولستَ مُجاهِدًا؛ لم تحمل سلاحًا سوى قلمك؛ فأعِدهُ إلى غِمدِه؛ أو نكسِرهُ لك.
ولم أكُ في هذا وحدي؛ قالها كثيرونَ غيري؛ لم يسمعهم أحدٌ؛ ففي ضجيج الحرب لا يُسمَعُ العَقلُ؛ مع أنّ كلامنا خارجٌ من القلب أيضًا؛ ولسنا جاهِلِينَ بتاريخ الثورات السِلمِيّة؛ ولا بتاريخ الثورات المُسلّحة؛ ولا بكفاح شعوبٍ قبلنا ضدَّ غُزاتِهِم أو طُغَاتِهِم.
قال زيتونُ إدلب:
– انقُل رسالتي هذه؛ إليه:
“أمّا بَعدُ..
وفيما بَعدَ مَلحمةِ حلب الكبرى؛ ثمَّ بعدَ مَقتلة حلب الكبرى التي لم تَنتَهِ بَعدُ؛ صارَ من نافِلِ القَولِ والتجربة؛ ألّا تبقى أنتَ ومُقاتليكَ في مدينة الزيتون؛ كما في كلِّ مُدُنِ وقرى المحافظة؛ فكيف إذا وَضَعتُمُ مئاتِ آلاف المدنيين تحت القصف؛ وليست لديكُم مُضَاداتُ طيرانٍ لتحموا أنفسَكم وإيّاهُمُ؛ بخاصةٍ في ظِلِّ تفاوتِ القوى بينكم؛ بكلِّ فصائِلِكُم؛ وبين دولتين: روسيا وإيران؛ وحكومتينِ تابعتين: الأسديّة والعراقية؛ ومعهم مُرتزَقة الأرض؛ وكلُّهُم على قَلبِ مَصَّاصِ دِماءٍ واحد؛ بينما تختلِفُ فصائِلُكُم ؛ كما حصل مِرَارًا في: القصير؛ سَلمَى؛ الرقة؛ حوران؛ الغوطة.. الخ؛ وحتى عند الجدار الأخير في حلب.
أمّا بعد..
إدلب قابَ قوسينِ من مَحرقةٍ داميةٍ؛ بعد حلب؛ ولن تُرهِبَنا؛ لأنَّ الثورةَ جَمرٌ في قلوبنا؛ وحُلمٌ في أرواحنا؛ وجوهرٌ في عقولنا؛ لا يَهزِمُهَا قَصفٌ؛ لكنّه سيُدمِي أهلنا؛ ويُدمِّرُ ما تبقّى من حَوَاضِرِنا واحدةً تِلوَ أخرى؛ والمُؤمنُ بالله وبوطنه وبثورته لا يَرمِي بنفسِهِ وبالناسِ إلى التهلُكة؛ وفي يدِهِ أن يُجَنِّبَهُم أفدَحَ الخسائر”.
ثم تابع زيتونُ إدلب.. قائلًا:
“اتركوا البيوتَ لِسُكَّانها؛ وإدارةَ دُنياهُم لمجالسِهِم؛ واذهبوا لِجَهَادِكُم خارِجَهَا ومِن حَولِها؛ كما فعلَ إبراهيم هنانو؛ نجيب عويِّد؛ الشيخ يوسف السعدون؛ عقيل السقاطي؛ مصطفى حاج حسين؛ وسِوَاهُم؛ حين قاتلوا الفرنسيين في: الشُغر وحتى الحَفَّة؛ في جبل الزاوية؛ في جبال حارم؛ وبين المدن المَنسِيَّة على كتفِ التاريخَ؛ وكما فعلَ المجاهد أحمد مرِيوِد وسواه في الجولان!
وكانت فيتناميةٌ احترقَ جسدُها بالنابالم الأمريكيّ قد صرخت:
– “استباحوا سماءَنا، لكنّ أرضَنَا لنا”.
فترجَمَ جُملتَهَا آلافُ المُقاتلين؛ إلى شبكةٍ من الأنفاقِ تحت الأرض؛ كان بعضُها قريةً؛ بحجم القرية الفيتنامية التي فوقها؛ فانتصروا بفضلها على أقوى جيشٍ في العالم!”.
عن جيرون