في سبيل رغيف خبز… قصص من الحصار
بعد عملية عسكرية واسعة شنتها قوات الأسد على الحي الذي أسكنه استمرت عدة أيام دون توقف حاولت مع صديقي عدنان أن نخرج لصناعة الخبز الذي لم نتذوقه منذ ثلاثة أيام.
كان علينا بداية أن نحضر القمح لطحنه وهذا أمر خطر للغاية. فالخروج تحت القصف كان أمراً مخيفاً وقد يفقد الإنسان حياته في سبيل رغيف خبز.
نجح صديقي بتأمين كمية كافية من القمح فيما كنت أحاول ملئ خزان المياه على السطح وكانت عملية يدوية صعبة للغاية، فقد كان يجب علي أن أسحب الماء من البئر بشكل يدوي ثم أملئه بوعاء ثم أصعد به نحو السطح وكررت هذا أكثر من عشرة مرات تحت جسر من القذائف التي تمر فوق سطح منزلي وربما تقرر أحد هذه القذائف النزول في وقت لا أحد يعلمه.
ها قد نجحنا بمليء الخزان وبالحصول على القمح وعلينا الآن تحويلها إلى طحين وبدون كهرباء لا يمكن أن تعمل المطحنة فما كان علينا إلا أن نستخدم المطحنة اليدوية القديمة الطراز والتي كلفتنا أكثر من ساعة ونصف فقط من أجل تجهيز الطحين وفي نفس الوقت كان الحطب قد تجمع قرب المدفأة وبدأنا بالعجن والخبز.
وأخيراً خرج رغيف الخبز الأول بعد سبعة ساعات من العمل المتواصل.
جلست مع صديقي نتناول طعامنا ونتذكر تلك الأوقات التي كنا نحصل فيها على ربطة الخبز من البقالية أو الفرن خلال دقائق ونقارن طعام اليوم بطعامنا وقتئذ.
قاطعت صديقي الذي كان يستمتع بسرد أصناف الطعام التي كان يتناولها وكأنه يستلذ بالحديث كما كان يستلذ بها سابقا.
قلت له: صديقي عدنان هل أنت نادم على خروجك في مظاهرات ضد النظام وهل لوكان اليوم هو اليوم الأول للثورة كان قرارك ليختلف؟ صمت صديقي برهة ثم قال وعيناه تدمعان هل تذكر أخي الذي “استشهد” قبل عام على أيدي قوات الأسد؟ هل تذكر فلان صديقنا وهل تذكر…؟
بدأ يحدثني عن القتلى وفي قلبه غصة واضحة على كلامه فكرت لبرهة أنه سيقول لي أنه كان يتمنى أنه لم يخرج لو كان يدري أن كل هؤلاء سيموتون ثم ختم حديثه قائلاً: صديقي وليد إن الساعات السبعة التي قضيناها في إعداد الخبز هي ثمن الكرامة وليست ثمن الخبز… ربما نمضي أياما أخرى أو أشهر في صناعة الخبز لكن صدقني في النهاية سيأكل الجميع خبزاً مختلف الطعم.
موقع قصص سورية