بين جعجع وزياد الرحباني… وزير للبنان أم لأرمينيا؟ .. راشد عيسى

 

لو سألت أياً من اللبنانين اليوم أي دولة تريد لأجاب على الفور إنه مع دولة القانون، وأتبعها من تلك الصرخات التلفزيونية الشهيرة «وينيي الدولة؟». لكن كثيرين، خصوصاً إذا كنا أمام كلمة القانون، التي فصلت في دعوى رفعها سمير جعجع زعيم القوات اللبنانية ضد الفنان زياد رحباني بخصوص قدح ورد في مقابلة قديمة، سيسارعون للتضامن في وجه دولة القانون. فقط لأن الأمر يتعلق بالفنان المعبود زياد رحباني، ذلك أن ما يحق لزياد لا يحق لغيره.
يستطيع الرحباني أن يكون ممانعاً، أن يدعو ستالين لحكم الشعب، أن يقول إنه يفضّل المخابرات السورية على معارضيها، كما جاء في مقابلة تلفزيونية له، أو أن يكون في الصف الأول لمستمعي خطابات زعيم «حزب الله»، برغم كل التعديات المستمرة إلى اليوم، ومع ذلك ستجد من يقول إن الرحباني يربح (رغم خسارته الدعوى فعلياً) «لأنه يبدو ناطقاً بلسان الذاكرة المستهدفة والمعرّضة للغسل القسري والقاسي. وهو يربح لأنه طبع صورة لا يمكن أن يمحوها قرار محكمة مطبوعات».
ليس في هذا الكلام أي تبرئة لسمير جعجع، ولا يبدو أن قرار المحكمة اللبناني يريد تبرئة جعجع، بل هو ببساطة حكم في قضية قدح وذم. هل تخوّل حرية التعبير أن يتهم الناسُ الناسَ كيفما اتفق، هل من حقهم أن يوزعوا شتائم من قبيل فلان مجرم أو عنصري أو طائفي أو مختل على الملأ؟ وبالمناسبة، حتى لو صحّ وثبت الحكم على فلان بأنه لص على سبيل المثال، فإن القول بأنه لص على الملأ هو تشهير يعاقب عليه القانون.
هل يعرف المتضامنون مع الرحباني أبجديات القانون؟

هيدا لبنان

مذهل وزير السياحة اللبناني في عفويته وبساطته وهو يتحدث عن تركيا فيعكس كراهية عميقة لذلك البلد! عفوية تشي بأنها مشاعر وعقائد غير قابلة للنقاش والاعتذار. لا يريد أواديس كيدانيان، وهذا هو اسم الوزير اللبناني الأرميني الأصل، في مقابلته على تلفزيون «أم تي في» اللبناني أخيراً أن يرى وجه الأتراك في بلده، ومن دون تردد يضع، حين يُسأل، تركيا وإسرائيل في القناة ذاتها.
من حق كيدانيان ككائن أن يشعر بما يريد، ويعود إلى الجذر الذي يهوى، لكن لا شك أن الأمر مختلف حين يكون وزيراً ممثلاً لملايين البشر، الذين تربطهم مصالح وتاريخ وعلاقات مع هذا البلد أو ذاك. هل من حق الوزير أن يصادر مشاعر ومصالح مواطنيه بهذه البساطة؟
بعد تلك المقابلة التلفزيونية ظهر الوزير اللبناني الأرميني في إطلالة أخرى، وحين سئل هل يعتذر قال إنه لا يجد أي داع للاعتذار، وبدا متأكداً أن أحداً من حكومته لا يمكن أن يطالبه بالاعتذار أو الاستقالة، حين قال إن طلبت مني الحكومة الاستقالة سأستقيل.
يعرف الوزير الذي يمثل حزب «الطاشناق» المتاريس المحيطة به جيداً، لماذا عليه أن يعتذر عن جذره وهواه وأجندته ما دام هناك دولة بحجم «حزب الله» لا تخجل من الانتماء إلى ولاية الفقيه؟ لماذا يخجل والمتاريس المحيطة كلها متاريس بالوكالة لهذا البلد أو ذاك؟
ليس على كيدانيان أن يخجل فـ «هيدا لبنان»، لا تعتذر عما فعلت يا سعادة الوزير، يا وزير السعادة.

الرئيس لم يقع.. بل ارتفع

ما كل سقوط أو تعثر أو «فركشة» للمرء يثير الضحك، فالسقطة، حسب كتاب «الضحك» لهنري برغسون، تحتاج إلى شروط كي تضحك، على رأسها أن يكون المتفرج على مسافة عاطفية من الفركشة.
إن كان هناك أدنى احتمال أن تضع نفسك مكان المتفركش والساقط على طوله مرة واحدة فأنت لن تضحك، وربما تجد في ذلك سقطة تراجيدية.
شخصياً لم أر في فركشة الرئيس اللبناني ميشيل عون سوى سقطة تراجيدية، رجل ثمانيني يأخذ الأرض وينزل على وجهه، ثم يظهر فيما بعد مع علامة بارزة على جبينه، كل ذلك يوجع القلب حقاً. تخيل لو كان أبوك مكانه.
لكن كيف يتعاطى الإعلام مع تلك «الفركشة»؟ من غير النبيل أن تعيد التلفزيونات المشهد مرة تلو المرة. أساساً بإمكانك تخيل كيف ستحذف اللقطة لاحقاً من صفحات الجرائد، ومن التلفزيونات، ومن التاريخ برمته.
لكن قناة «الجديد» اخترعت طريقة خارقة في «حذف» السقطة. لقد ارتفعت بها من مجرد فركشة لتضعها عالياً، في مكان أقرب إلى التقديس. كان ذلك عبر تعليق تداولته مراراً وسائط الميديا الاجتماعية، عندما علقت في مقدمة نشرتها الإخبارية بالقول «الرئيس لم يقع، لا بل هو ارتفع»، ولم تكتف بذلك، بل راحت «من حمّ الوقعة» تشتم يمنة ويسرة.. الساقطين وأشباه الرجال الزاحفين من بوابة إسرائيلية.. أي والله هكذا.
كل ذلك من أجل التغطية على فركشة، حمى الله فخامة الرئيس.

خطّابة معاصرة

عزيزي الشاب، إن كنت فوق سن الخامسة والعشرين ولم تتزوج بعد فأبشر. تقترح عليك الأكاديمية السعودية ھوازن ميرزا، المحاضرة في جامعة الملك عبدالعزيز، ثلاث زوجات، هن آنسة ومطلقة وأرملة، وذلك خلال شهر واحد، وفيما لو نجحت التجربة ستقدم له الزوجة الرابعة هدية بعد عشر سنوات.
هذا ما جاء في مقابلة مع السيدة ميرزا على تلفزيون «روتانا خليجية». ولكن لا تظن أن الأمر بهذه السهولة، فهو سيكون تحت إشراف أكاديمية فيها نخبة من الاختصاصيين، حسب اقتراح ميرزا، وهي ستقوم على العملية برمتها.
لا تكترث لضحك المذيعة التي لم تتمكن من السيطرة على ردة فعلها، فهي اعتذرت فوراً على ضحكتها المجلجلة، لا بد أن الكونترول همس بأذنها أن لا تسخر من الأمر، فهو بالغ الجدية والخطورة.
من يهمس بأذن «روتانا خليجية» فيقول لها إن الهزل قد بلغ أشدّه. ليس الاقتراح، ولا السيدة المحاضرة، أو «الخطّابة المعاصرة»، هي المصيبة، المصيبة أولاً هي في إعلام يترك الباب مفتوحاً لمثل هذا الانحطاط، حتى من دون نقاش لائق.

.

.

.

كاتب من أسرة «القدس العربي»

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى