هل تؤدي الخلافات الروسية الإيرانية إلى إزاحة الأسد؟
توحي الشراكة الروسية الإيرانية في الملف السوري بأن العلاقات لا تشوبها الخلافات ولا التناقضات، فالإيرانيون بحاجة إلى الغطاء الجوي الروسي لدعم ميليشياتهم على الأرض، والروس لا يمكنهم الاستغناء عن القدم الإيرانية برا للسيطرةعلى المناطق التي يتم احتلالها، فضلا عن استعمال الروس لقاعدة همدان لعملياتهم الجوية في سوريا، و كلاهما يريد البقاء للنظام السوري وان اختلفا من حيث موضوع شخص الأسد، فطهران وموسكو تختلف مقاربتهما للملف السوري على نحو يشي بأن الخلافات ستتعمق كلما حانت لحظة الاقتراب من حل سياسي.
روسيا تنظر إلى الساحة السورية على أنها نقطة تظهر هيبتها وتأثيرها كقوة عالمية تستعيد مكانتها في الشرق الاوسط والعالم في مقابل أمريكا و تريد أن تظهر امتلاكها مفاتيح القوة والحل في سوريا، كما تنظر إلى سوريا كورقة مقايضة قوية لمواجهة امريكا واوروبا الغربية في ملف أوكرانيا ( القرم ) والدرع الصاروخي، هذا ناهيك عن مصلحتها الاستراتيجية في الميناء الروسي الوحيد في المياه الدافئة في طرطوس، ولا تعتبر روسيا الأسد كشخص شريكاً استراتيجيا، وهي على استعداد تام للتضحية به في مقابل الاحتفاظ بمصالحها ودورها في وجه الولايات المتحدة، عبر عن ذلك وزير الخارجية لافروف الذي صرح (أن الأسد ليس شريكا استراتيجيا لموسكو ولكن روسيا ترفض أن يقرر مصير الأسد جهات خارجية، وتصمم على أن يقرر مصيره (الشعب السوري)، عن طريق إجراء انتخابات بإشراف دولي).
إذن روسيا تريد الحل السياسي والحسم العسكري بأسرع ما يمكن، ولهذا تقبل بانتقال سياسي يحافظ على مؤسسات النظام وليس شخص الأسد، ويدير البلاد بالشراكة مع المعارضة ( المعتدلة )، ويهمها فقط الحفاظ على حدود سوريا المفيدة التي تضمن مصالحها، عبر عن ذلك رئيس الوزراء ميدفيديف حين أكد أن روسيا لا تدافع عن الأسد بل عن مصالحها، ولا تمانع روسيا بتاتا إقامة نظام فيدرالي مقسم على أساس إثني وطائفي يضمن جيبا علويا في الساحل وسيطرة على المدن الرئيسية وريفها ( سوريا المفيدة )، وحكما سنيا في الوسط، وكرديا في الشمال، و تتشارك هذه النظرة مع أمريكا، لهذا فان روسيا لا تريد إطالة أمد الحرب وتريد جمع النظام والمعارضة السورية على طاولة الحل، لأن استمرارالحرب يعني ورطة حقيقية للروس المنهكين اقتصاديا بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليهم في الملف الاوكراني، كما وإن اطالة الحرب يعني غرقا في مستنقع أفغاني جديد لا يمكن التنبؤ بعواقبه الخطرة، خصوصا وأن للروس عقدتهم الخاصة من (الراديكالية) السنية التي سحقت قوتهم في الملف الأفغاني، وتسببت في استنزافهم و تهاويهم في أواخر الثمانينيات.
وكذلك الملف الشيشاني وما يمكن أن يحمله من عوامل التحريك من أي خصم او حليف في لعبة المصالح، هذا ناهيك عن تتار القرم المسلمين والذين يمكن للأتراك أيضا استخدامه حال تعارض المصالح، ويدرك الروس أنهم ليسوا بمنأى عن عواقب مشاركتهم في ضرب المعارضة السورية، وخصوصا الإسلامية التي قد تتبنى هجمات في عمق الأراضي الروسية، تجعل روسيا تضع في حساباتها أثمان القصف الجوي الوحشي الذي تقوم به في الأراضي السورية بلا رقيب أو حسيب .
أما طهران فتنظر إلى سوريا على أنها الحلقة الذهبية الأشد أهمية في خريطة تغولها الاحتلالي في المنطقة، وتريد بأن تكون كافة الأراضي السورية وليس فقط سوريا المفيدة تحت حكم الدكتاتور، وتحاول الإمساك بورقة الجنوب السوري بالقرب من الحدود مع العدو ولتقول بأنها تملك ورقة هامة لا يمكن لأي من الفرقاء في سوريا تجاهلها وهي أمن إسرائيل، لمقايضة الإدارة الأمريكية الجديدة التي تنوي توسيع العقوبات على طهران وإعادة النظر في الملف النووي، كما تعمل طهران على قدم وساق على تغيير ديمغرافي يضمن خط إمداد سلاح متواصل ومريح من سوريا إلى لبنان وهذا و قيامها بأعمال إبادة وتهجيرعلى أساس طائفي في مناطق الزبداني ومضايا وحمص والقلمون وريف دمشق، كما تتمسك بشدة بشخص الرئيس السوري.
وتعمل على إبادة المعارضة السورية عسكريا، ومن ثم فرض نتائج الميدان على المعارضة السورية التي تريدها خاضعة تماما لاملاءات النظام، ولم ترغب بمحادثات قبل ذلك كما فعلت روسيا، وتعارض انتقال سياسي يستثني الأسد، هذه الفجوة بين الإيرانيين والروس اتسعت مع اقتراب موعد الحل السياسي، برز هذا بشدة بعد معركة حلب حين شعرت طهران بالتهميش بسبب التفاهمات الروسية التركية، وشعرت أنها القوة التي دفعت أعلى الأثمان، والأتراك والروس حصدوا الثمرة، فالأتراك -عبر تأثيرهم القوي في المعارضة الذي تحتاجه روسيا لوقف النار -، والروس -عبر رغبتهم في حل سياسي بأسرع الطرق، لهذا اقتصروا على قصف القوى المعارضة التي ترفض الحل للضغط عليها وإجبارها على القبول بحل سياسي- وجدوا أنفسهم في مكان مشترك خصوصا مع تفاقم مخاوف أنقرة من دعم الأمريكيين للأكراد، لهذا حاولت طهران وميليشياتها إجهاض وقف النار ما دفع الروس إلى تحجيمهم، وقصف سلاح الجو الروسي تجمعا لحزب الله على حاجز الراشدين في حلب، كما قصف نبل والزهراء (الشيعيتين )، وطريق خناصر الذي يربط حلب بريف حماة.
كما استهدف الطيران الروسي حاجزا للقوات الإيرانية على مدخل حمص، وبرز نوع من التنافس حيث أنه من المعروف في الاستراتيجيا العسكرية أنه من الصعب جدا أن تتعايش قوتان نافذتان على أرض واحدة، وتحرص روسيا في استراتيجيتها الجديدة على التقارب مع الأمريكيين، فهي مقتنعة بأن مفاتيح سيطرتها التامة على الشرق الأوسط وتوسع مصالحها ليست بالتعاون مع طهران بل بوضع استراتيجية جدية للتفاهم مع واشنطن.
لهذا رفعت طهران ورقتين في وجه الروس إما نحن أو انقرة، وإما نحن أو واشنطن، فطهران تعتبر أي تقارب روسي أمريكي أو روسي تركي تهميشا لها، ولهذا حاولت الإيحاء للروس بأن تركيا بنفوذها في المعارضة لن تقدم لكم شيئا طالما أن ميليشياتنا على الأرض وسنجهض وقف النار.
كما وأن روسيا لديها تفاهمات معروفة حول حرية الطيران الإسرائيلي في الأجواء السورية بحيث تحافظ على قدرتها العملانية في ضرب شحنات السلاح التابعة لحزب الله، وتعتبر قرب الإيرانيين من الجبهة الجنوبية، وإقامة الإيرانيين ميناء على المتوسط بغطاء روسي خطاً أحمر استراتيجياً، ما يفسر نجاح إسرائيل في تنفيذ ضرباتها واغتيال قادة حزب الله ومنهم مصطفى بدر الدين المسؤول العسكري عن عمليات الحزب في سوريا، والذي اغتيل بصاروخ هيل فاير وبتنسيق أردني إسرائيلي أمريكي بالقرب من مطار دمشق، وباختراق أمني مؤكد عبر النظام، الذي بدا أنه انجز تفاهمات مع الروس والإسرائيليين بأن ينتشر بدلا من الإيرانيين في الجنوب، بحسب معاريف، كما وتكبح روسيا أي تصعيد او فرضيات اندلاع حرب على جبهة الجولان، ولهذا بالضبط لم يوجه حزب الله الاتهام للإسرائيليين بأنهم من اغتال بدر الدين، بل وضعوا التهمة على المعارضة السورية وطلبوا من الصحافيين الغربيين الامتناع عن القول أن إسرائيل وراء اغتيال بدر الدين حسب الصحافي الفرنسي الخبير في شؤون الإرهاب جورج مالبرونو.
وأعقبه قيام قناة الميادين التابعة للحزب بسحب الخبر الذي قال إن بدر الدين تعرض لغارة جوية اسرائيلية خصوصاً وأن الحزب ليس في وارد مواجهة مع العدو، وهو مستنزف في الأراضي السورية كما وأن روسيا ترفض أي تصعيد عملياتي جنوبأً، خصوصا وأن مخاوف الإيرانيين كبيرة من أنه بعد الانتهاء من تنظيم الدولة في الرقة، سيتم توجيه الضربات لقواتهم في سوريا على أساس أن الحل السياسي يضمن خروج جميع القوى الأجنبية من سوريا، وعلى رأسها حزب الله والميليشيات العراقية، ما يضع طهران في ورطة حقيقية فاستراتيجية أمريكا هي الحفاظ على الحرب مشتعلة واستنزاف المعارضة وطهران، والروس والنظام السوري تفاهموا مع الإسرائيليين على أمن الجبهة الجنوبية مقابل بقاء الأسد ولهذا ايدت امريكا بقاءه، والدور الإيراني الوحيد الذي قد تتقبله أمريكا هو وقوف ايران في وجه (الراديكالية )السنية التي تشكل خطرا وجوديا على إسرائيل على المدى البعيد لاستمرار الاحتواء المزدوج، هذا التناقض الروسي الإيراني هو ما حدا بطهران بأن تلقب روسيا بالشيطان الصغير، وجعلها تسمح برفع هتافات معادية لروسيا في جنازة رفسنجاني، وحملت القوات الروسية مسؤولية ارتفاع قتلاها في سوريا.
ولهذا لا تعرف طهران نفسها كيف تخرج من الوحل السوري فالتفاهمات السياسية ستجعلها تخرج من المولد السوري بلا حمص، والبقاء الذي ستضطر له لفرض مصالحها سيتأبد لاستنزافها عسكرياً، ما يفرض على الإيرانيين الرد في ساحات العراق واليمن، وبعث شبح تنظيم الدولة على الروس والأمريكيين والأتراك، -إن لزم -لتجري المقايضة وتخلط الأوراق وتفك التفاهم الامريكي الروسي والتركي الروسي، او حتى قد تقدم على اغتيال الأسد، الذي من الراجح ان يقضي عليه أحد حليفيه إن تفاهم مع أحدهما على حساب الآخر!
كاتبة فلسطينية
القدس العربي