لا تفريط في حب أردوغان! .. ومناديل كوهين النووية… لـ “الميادين” مع التحية! .. لينا أبو بكر
كان يكفي لبلكونة الكرملين الفضائية أن تقذف البسكويت على طريقة ماري أنطوانيت – بدل الصواريخ، فوق الجبهة الإسرائيلية، التي قصفت مستعمرتها السورية، ولكنها لم تفعل، ولو من قبيل “نحن هنا”، أو لجبر الخواطر، أو حتى لاتقاء شبهة التلميذ الخائن، التي لاحقتها بعد كل نكسة تطيح بالأمة العربية فتهبط بها من سابع سماء إلى سابع أرض!
من يسترجع تاريخ التحالف المصري – السوفييتي سيأسف لحال “الميادين”، التي خاضت “حربا”، بعد تجرع مرارة الخيبة أثناء متابعة رد فعل نظام الأسد المقيد بقرارات موسكو، ومن يعد لسلسلة حلقات برنامج “رحلة في الذاكرة”، الذي تبثه قناة “الآر تي”، يرى كيف يشهد ألف شاهد من أهلهم على تجمد قوائم الدببة في ساعة الحسم، إذ تراهم يعدون أقواسهم ويشدون أوتارها لا ليطلقوا سهامهم بل ليهيئوها، كما اعتاد الصينيون من قبلهم! وهو ما اعترف به مراسل وكالة الأنباء السوفييتية “نوفوستي” في مصر إبان الـ 67، (أناتولي يغورين) حين أقر بخذلان السوفييت لحليفهم عبد الناصر وعدم تفاعلهم معه بالسرعة والجدية اللازمتين، رغم فاعلية القنوات المعلوماتية لمُلحقي بلاده العسكريين في صفوف الوحدات المصرية، معربا عن أسفه واستغرابه من ضبط ساعة الكرملين على موعد وحيد هو: فوات الأوان!
عبد الناصر “سُخرة أم ضحية”؟
الدبلوماسي المصري “عبد الرؤوف الريدي” تحدث عن المشاورات المصرية – الروسية في حلقة منفصلة من البرنامج ذاته، مركزا على الانهيار النفسي، الذي عاشه عبد الناصر بعد تخلي السوفييت عنه، بعدما طمأنوه عن إحراز نصر سياسي قبل أن يتم تعيين موشيه ديان وزيرا للدفاع في إسرائيل، حيث لم يُجْدِ امتصاص ضربته الأولى نفعا، لأن الهجوم المرتد لم يتم أصلا، إذ تراجعت موسكو لضعف أداء الجيش المصري، ونسف طيرانه الحربي، رغم الإمدادات الجزائرية، ليس هذا فقط، بل أكثر منه، فقد أمر الرئيس السوفييتي سفيره بالتوجه إلى بيت عبد الناصر، الساعة الثالثة فجرا ليحذره من مغبة الهجوم على إسرائيل!
ليس مطلوبا منك أن تصدق الريدي، حين يرى أن الموت السياسي لعبد الناصر كان في هذا اليوم الأسود، حتى وإن أكد “يغورين” حالة الانكسار العامة بين العسكريين والإعلاميين المصريين، وهم يلاحقونه في الشوارع مستنكرين: أين دباباتكم وطائراتكم، أيها الثرثارون، أين أنتم، أيها الأصدقاء الغادرون”؟!
من المحزن أن يكون عبد الناصر ضحية لحليفه، ولكن المحزن أكثر أن يتحول إلى سُخرة، إذ وظفه السوفييت في مهمة استخباراتية، كشفت “آر تي” تفاصيلها، حيث استدرج عبد الناصر الرئيس اللبناني شارل الحلو إلى مصر مرحبا باستعراض عسكري لطائراته الحربية “الميراج الفرنسية”، ليتيح للسوفييت فحصها ولأسبوع كامل في الوقت ذاته، الذي كان فيه جنود الحلو يلهون في كباريهات القاهرة، وبعدما كان “فاضل على الحلو دقة” خرج العرب من حيل الغيلان!
ولأن تاج القيصر لا يحميه من وجع الرأس، تراه يذوب كالشمع مجرد أن تشقشق الشمس فوقه، فمذكرات “يغورين” تفضح تخاذل بلاده ليس فقط مع حلفائها العرب إنما مع طيرانها القيصري، الذي تعرض لهجوم إسرائيلي وهو يحلق فوق منطقة دولية هي المتوسط، دون أن يقوم برد يحفظ ماء وجه الجيش الأحمر، ولما سأله المذيع عن سبب هذا التقاعس، تذرع بالحيرة والارتباك، اللذين نخرا عظم الجوارح الحديدية في حرب الأيام الستة، فإن كنت تصدق أن الدجاجة التي تغني في المساء لا تبيض في الصباح، لن تقتنع بحجته، وإليك الدليل!
مناديل من كوهين مع التحية!
“نيكولاي دولغوبولوف”، نائب رئيس تحرير جريدة “روسييسكايا غازيتا” ومتخصص في الشؤون الاستخباراتية، صرح لخالد الرشد، خلال إحدى رحلاته في الذاكرة، أن عملاءهم الاستخباراتيين فارون من ألمانيا النازية، وأن ثقة السوفييت التاريخية بذكاء ومواهب اليهود الجاسوسية، مستمدة من إيمان هؤلاء بالشيوعية كفكر ثوري يضحون بأرواحهم في سبيله، وليس كمصدر ربحي، لذلك حظوا بحصة الأسد من أخطر المهام الجاسوسية وأكثرها سرية، مع صلاحيات مفتوحة لتجنيد عملاء جدد في شبكاتهم التطوعية، وأشهر هؤلاء الزوجة كوهين، التي سافرت إلى أمريكا بحجة العلاج من الربو لتستلم من عميل سوفييتي 150 رسما تخطيطا للقنبلة النووية على أوراق صغيرة جدا وشفافة، لكنها فوجئت بضابط تفتيش أثناء صعودها القاطرة، دفعها لاختلاق لبكة متعمدة لإخفاء المخطوطات في علبة مناديل طلبت من الضابط أن يمسكها لتتمكن من إيجاد تذكرتها، ويا للغفلة كيف تفرط بأهم علبة “محارم” عرفها التاريخ منذ بدء الخليقة!
حسنا إذن، لماذا تحنق “الميادين” على “مِسِزْ كوهين”، وهي صاحبة الأفضال النووية على القيصر الأعزبْ؟ ألم تجد القناة عذرا للغزاة وهم يسخرون حلفاءهم أو يضحون بهم مراعاة لعملائهم، ما دام المثل الروسي يغفر الفشل للفطيرة الأولى فقط؟ أما وقد سامحنا عبد الناصر، وانحنينا إجلالا لحماقة ضابط التفتيش الأمريكي، فإننا لن نغفر لـ”شلة الهَمَل” الفضائية تعيين بوتين مُحرما عسكريا لسوريا، لأن من اعتاد أن يقدم ظهره قبل قفصه الصدري، لا ينبغي إليه أن يشكو من الطعنات، حسب عقيدة القياصرة الحمر، مع التحية للمغفلين وأصحاب الظهور العارية، وفرقة “أشتاتا أشتوت” في “الميادين”!
أردوغان ليس السادات و”نو بيف”!
لا بد من الاعتراف ببطلان موضة الزعماء العرب، بعد ناصر وصدام ونصر الله، فسطوع نجم زعماء غير عرب في الوطن العربي ظاهرة وطنية، طالما أنها تختطف العقول وتوجه الوجدان القومي نحو جاذبية كاريزماتية يشتغل عليها الإعلام بحنكة تستدرك كبواتهم السياسية، وإخفاقاتهم الصفقاتية، وتزين عيوبهم، في الوقت ذاته، الذي يلعب فيه الإعلام العالمي المترجم دورا لا يستهان به، في فضح عملاء الغرب من زعمائنا المغفور لهم، وكشف مواطن المذلة والخنوع في أدائهم السياسي وراء الكواليس، تماما كما حدث في برنامج (خمسون عاما من الحرب مع إسرائيل)، وفي الوثائق الاستخباراتية، التي نشرتها “واشنطن بوست”، القرن الفائت، عن جاسوسها المدلل، الذي حمل ملفه السري اسم “نو بيف”، ثم تصريحات رجال الاستخبارات العسكرية الروسية عن تاريخ السادات المشبوه، وعلاقته برحيل عبد الناصر المفاجئ، وأدائه البهلواني، الذي أثار اشمئزاز المسؤولين السوفييت حين كان نائبا للرئيس، فعداك عن شخصيته المهزوزة وبراعته في الكذب والتملق والنفاق، كان سكيرا يفرط بشرب الفودكا، ومولعا بالكافيار، مما كان يزيد من أعراض إصابته بتضخم الذات، التي تورمت بعد توليه الحكم فاحتدت نبرته وكشر عن أنيابه ليُخرج مصر من ملة الاشتراكية الناصرية، ويحولها إلى حظيرة خلفية للبيت الأبيض و”الهستدروت”!
يختلف الأمر مع أردوغان، فعداك عن أدائه الرفيع في مؤتمر دافوس الاقتصادي، ثم كسره لحصار غزة بسفينة “مرمرة”، وأخيرا تصريحاته المناهضة للكيان الصهيوني، واستحواذه على القطاع الإعلامي، خصوصا بعد شراء الدولة للحصص الإعلامية، التي كان جيم أوزان – رجل الأعمال التركي امبراطورها الأعظم، ثم فتح الهواء لعدد لا يحصى من القنوات الإعلامية العربية والإخوانية المعادية لأنظمتها القمعية، سواء في تركيا أو في لندن، كله ساهم باستثمار سياسي خصب في حرية التعبير وإشادة دول فضائية طلقة تلعب في الممنوع، خارج الحدود ووصاية الطغاة!
ورغم أن القضية الفلسطينية، التي توجت أردوغان فارسا عربيا – تغيب في حضوره السياسي مؤخرا، إلا أن مناصريه قد يتخلون عن القضية ولا يفرطون به، لأنه لا عزاء لهم سواه، حين يشتد قصف جبهة عرب بوتين.
كاتبة فلسطينية تقيم في لندن | القدس العربي