روسيا… شرطي المنطقة الجديد بإدارة إسرائيلية .. العميد الركن أحمد رحال*

 

أمام توغل قوات الاحتلال الروسي الجوية والبحرية والبرية تبرز أسئلة هامة تفرضها مستجدات الأحداث على الساحل السورية: هل نحن أمام عجز أمريكي استغلته روسيا واندفعت لبعثرة الأوراق الأمريكية في المنطقة؟؟

أم نحن أمام قوة عسكرية روسية فرضت وجودها بحكم الأمر الواقع؟؟

أم أن هناك توظيف للدور الروسي بأوامر إسرائيلية وضمن المظلة الأمريكية؟؟

للإجابة على تلك الأسئلة علينا بالعودة لمسار الإجراءات والخطوات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية خلال سنوات الثورة السورية وكيف خذلتها وخذلت الثوار ومنعت عنها كل أسباب القوة والانتصار.

منذ انطلاق الثورة السورية في شهر آذار من عام 2011 ونحن أمام كبح مقصود لجهود المعارضة السياسية والعسكرية بأسباب وحجج أمريكية غير مرضية وغير واقعية, بدأت بموقف واضح طرحه السفير الأمريكي السابق في دمشق “روبيرت فورد” الذي اجتمع مع المعارضة السورية في 17 نيسان عام 2011 في بيت رئيس الائتلاف الحالي “رياض سيف” بدمشق وليعلن لاءاته الثلاث الشهيرة: لا سلاح أمريكي للمعارضة, لا تدخل عسكري أمريكي, ولا حظر جوي على طائرات الأسد.

في اليوم الثاني (18 نيسان) كانت مجزرة الساحة في حمص والتي قٌتل فيها العشرات على يد الأمن السوري وظن الجميع أن الأمريكان سيغيرون من موقفهم لكن الأمر مر مرور الكرام دون أي تعليق.

مع تشتت الأمن الأسدي وجيشه وتوهج المظاهرات بشوارع المدن السورية تدخل حزب الله اللبناني الموضوع على معظم قوائم الإرهاب الدولية ليقتل الشعب السوري بأوامر إيرانية وموافقة أسدية وتلازم الأمر مع صمت أمريكي صدم الشعب السوري برمته.

ومع فشل ميليشيات حزب الله في إنقاذ الأسد كان التدخل الإيراني مرتان متتاليتان, مرة عبر ميليشيات الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس ومرة أخرى عبر الزج بالميليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية, وهذا التدخل أيضاً رافقه صمت أمريكي جديد مقلق, رغم أن تلك الميليشيات تشكل إرهاباً عابراً للحدود عدا عن خروق إيرانية لقرارات وعقوبات فرضها عليها مجلس الأمن وتمنعها من إخراج أي قوات أو عتاد أو خبرات عسكرية خارج الحدود الإيرانية.

هنا أصبح الجميع أمام حقيقة راسخة مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية تنتقم وتعاقب الشعب السوري الذي ثار على عميلها النشط “بشار الأسد” وبالتالي هي تفعل كل ما تستطيع كي توفق بين كبح الثورة وداعميها الحقيقيين وبين إيجاد القوى التي تستطيع حماية نظام الأسد من الانهيار.

عام 2013 خرق الأسد آخر الخطوط الحمراء التي رسمها الرئيس الأمريكي “أوباما” عبر مجزرة السلاح الكيماوي التي قصف بها الغوطة الشرقية والمعضمية في ريف دمشق,, وظن الجميع أن الأسد وقع بالفخ, وأن الطائرات الأمريكية والفرنسية التي استعدت لقصفه ستنهي مأساة السوريين بعد طول انتظار, لكن “أوباما” اكتفى بتحقيق ما تريده إسرائيل عندما سحب أداة الجريمة وترك المجرم حراً طليقاً يذيق السوريين مر الموت مع كل شذاذ الآفاق الذين استقدمهم لوأد الثورة والثوار.

في هذا الوقت كان الساسة الأمريكيون ومن قمة هرمهم لأسفله يتحفون الشعب السوري بتصريحات وأحلام وردية اتخمت معها معدة وآذان السوريين بوعود أمريكية اضطر معها الشعب السوري لشراء ساعات لعد الساعات المتبقية من عمر الأسد كما قال “أوباما”, لكن كل الساعات تعطلت وبقي الأسد فوق جماجم السوريين.

مع الشهر الثامن من عام 2015 تقدم جيش الفتح لينهي تحرير محافظة “إدلب” ويتقدم نحو حدود محافظة “حماه” والجبال الساحلية, وبالتوازي مع هذا التقدم انطلقت معركة “الله غالب” في دمشق على يد مقاتلي “جيش الإسلام” الذي حاصر العاصمة وسيطر على الأوستراد الدولي الذي يربطها بالمنطقة الوسطى وليضيق الخناق على نظام الأسد وحلفائه من لبنان والعراق وإيران وتوابعها, وفجأة يتم الزج بالقوات الجوية الروسية كآخر سهم في الجعبة الأسرائيلية لضمان عدم سقوط الأسد مرحلياً قبل ترتيب المنطقة وفق الخطة المرسومة وبعد لقاءين بين “موسكو” و”تل أبيب”, وتدافعت الطائرات الروسية لتهبط في قاعدة حميميم ولتنهال بضربات جوية مؤلمة على فصائل المعارضة السورية والعنوان الروسي كان: الحرب على الإرهاب وقتال تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

التحركات السياسية التي سبقت التدخل الروسي أعطت صورة واضحة لا شائبة فيها وتٌبرز التعاون والتنسيق بين إسرائيل وروسيا عبر لقاءين خلال أسبوعين بين الرئيس “فلاديمير بوتين” وبين رئيس الوزراء “نتنياهو” تم فيه التوافق وتوضيح العلاقة والخطوط والمحددات التي تحكم التدخل الروسي في سورية.

إسرائيل طلبت من بوتين عدم وصول الميليشيات الطائفية والإيرانية إلى حدود الجولان المحتل وعدم نقل الأسد لأي أسلحة متظورة لحزب الله في لبنان مع عدم ترك أي منظومات سلاح روسية متطورة للأسد إذا ما قرر الروس الانسحاب فيما بعد, بالمقابل طلبت موسكو من تل أبيب عدم استخدام وسائط حربها الإلكترونية ضد اتصالات طائراتها أو صواريخها المستخدمة في سورية.

في ميزان المصالح والأهداف المشتركة برز بشكل واضح أن روسيا التي تم توظيفها إسرائيلياً- أمريكياً لتكون حلاً في سورية يخرج أمريكا (أوباما) من ورطتها مع حلفائها في المنطقة الذين أبدوا امتعاضهم وغضبهم الشديد من التهديدات الإيرانية التي فرضها حجم ميليشياتها وأدواتها التي تم زجها في سورية ودعمها للحوثي باليمن ومحاولة عبثها بالأمن البحريني والكويتي عدا عن سيطرتها على الحكومة العراقية واللبنانية, أيضاً التدخل الروسي صب في مصلحة إسرائيل التي ترفض وجود الإيرانيين على حدودها مع سورية في الجولان المحتل.

في هذا الوقت حاول القادة في السعودية وقطر وتركيا الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية لتغيير موقفها الرافض لدعم حقيقي للثورة السورية عدا عن التصريحات بعد أن رفضت أيضاً إدارة “أوباما” إقامة المناطق الآمنة التي تشكل الحد الأدنى من مطالب السوريين, وبدل من أن تضغط أمريكا على روسيا ونظام الأسد وإيران زاد ضغطها على الثوار وأصدقائهم الحقيقيين, واكتمل التآمر الأمريكي بتخلي “واشنطن” عن تركيا عندما أسقطت تركيا الطائرة الروسية وانضم حلف “الناتو” ليشارك الولايات المتحدة الأمريكية هذا الموقف وتٌركت “تركيا” وحيدة في مواجهة الدب الروسي عبر عقوبات وتهديدات أحرجت الرئيس أردوغان وأحرجت أنقرة.

في عام 2016 ومن خلال اجتماع أصدقاء الشعب السوري في لندن برز موقف أمريكي بارز عبر وزير الخارجية الأمريكية “جون كيري” عندما أهان المعارضة وأجبرهم على حضور مؤتمر جنيف وزاد عليه بأن هددهم أنه عليهم القبول بما تقدمه “موسكو” من حلول أو أنهم سيٌحرقون بالطائرات الروسية بموقف ظهر فيه “كيري” يتحدث كوزير للخارجية الروسية, وهذا ما تم فعلاً خلال الأشهر العشرة التي تلت انسحاب الوفد التفاوضي من جنيف عندما أحرق الطيران الروسي المناطق المحررة واستعاد مدينة “حلب”.

إذا من الواضح أن السيناريو الأمريكي المتناغم مع الرغبات الإسرائيلية والمتوافق مع الأجندة الروسية أفرز لنا واقعاً جديداً يفرض وجود روسيا كضامن وشرطي في المنطقة وأوكل إليه مهمة الحارس على المصالح الإسرائيلية مقابل قواعد روسية على الشواطئ الدافئة لسورية إضافة إلى حماية نظام العميل الأمريكي الموظف كرئيساً لسورية.

روسيا تٌدرك أنها ما كانت لتستطيع التدخل لولا الضوء الأخضر الإسرائيلي والصمت الأمريكي, وروسيا تعرف حق المعرفة أن مقومات الدولة العظمى قد فقدتها على كل الأصعدة, السياسية والعسكرية والاقتصادية وحتى المعنوية, وبالتالي عليها بالاستجابة للرغبات الأمريكية والقبول بالدور المناط لها في المنطقة خدمة لملفات داخلية تقلق الرئيس “بوتين” وتخدم الإدارة الأمريكية.

لكن هذا لا يعني أن روسيا تمشي وتسير وفق ما خٌطط لها أمريكياً بشكل كامل, لذلك نجد بين الفينة والأخرى تجاوزات روسية- أسدية تضطر معها الإدارة الأمريكية أو الطيران الإسرائيلي لتوجيه ضربات جوية تعيد تصحيح المسار كما حصل في قصف التحالف الدولي لجبل الثردة في دير الزور أو في قصف مطار الشعيرات أو بالقصف الأخير للميليشيات الأسدية والعراقية التي كانت تتقدم باتجاه معبر التنف.

لكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه: أمام تلك التوافقات وأمام تلك السيناريوهات, وأمام الشرطي الروسي الجديد في المنطقة, ما الذي يحصل في جنيف وأستانا؟؟؟

معارضة سورية مشاركة بوفد جنيف تقول: أصبحنا لا نملك إلا سلاح كلمة “لا” نقولها هناك ريثما تتغير الموازين, وهنا يبرز سؤال أهم يقول: ما المتأمل من تلك الاجتماعات ؟؟؟

الحقيقة تقول أن الجميع يسير ضمن الرؤية الأمريكية الإسرائيلية وأن الشعب السوري يٌعاقب مرتين, مرة بأيد أمريكية ومرة أخرى بأيدي أدواتها.

لكن هناك من ينتظر اللحظة التي يقتنع بها الغرب وتقتنع معه أمريكا وإسرائيل أن هذا الشعب لم يعد لديه ما يخسره, وأنه قدم ومازال قادراً على التضحية بكل ما يستطيع لتحقيق الأهداف التي ثار من أجلها.

فهل تصل تلك القناعة لأصحاب القرار؟؟؟

ننتظر قناعة هؤلاء على حساب دماء السوريين المراقة.

فالواقع العسكري الحالي يقول: لا خيارات متاحة أفضل وليس بالإمكان أكثر مما كان.

 

 

 

 

 

محلل عسكري واستراتيجي*  | المركز العربي الأوروبي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى