هل ستنهض سوريا؟ .. د. فيصل القاسم

 

هناك وجهتا نظر حيال مستقبل سوريا. النظرة الأولى وردية متفائلة يعتقد أصحابها أن السوريين قادرون على إعادة بناء بلدهم في وقت قياسي وجعله أفضل مما كان.

ويعتمد المتفائلون في توقعاتهم على شخصية الإنسان السوري المبدع في كل المجالات. ويرى سياسي عراقي يعيش بين العراق وسوريا أنه على عكس العراق، فإن سوريا ستنهض بسرعة أكبر بكثير رغم أنها أفقر من العراق. ويرى هذا السياسي أن السوري قادر أن يبني بيته بيديه نظراً لوجود خبرات حرفية غنية جداً لدى السوريين.

فالسوري، برأيه، يتقن الكثير من المهن في آن معاً، مما يجعله قادراً على النهضة ببلده بسرعة فائقة. ويرى آخرون أن سبب ترحيب الكثير من البلدان الغربية بالسوريين أن تلك الدول تعرف طبيعة الإنسان السوري القادر على الإبداع والتأقلم في أي بيئة بسرعة كبيرة، بدليل أن السوريين استطاعوا أن ينعشوا البلدان العربية التي هاجروا إليها.

وتشتكي بعض البلدان أن السوريين قضوا على المطاعم المحلية في البلدان التي لجأوا إليها. وبات الكثيرون من سكان تلك البلدان مدمنين على المطاعم والمأكولات السورية.

وتعترف تركيا بأن رؤوس الأموال ورجال الأعمال السوريين ساهموا كثيراً في إنعاش الاقتصاد التركي. ويقول مسؤول غربي إن أوروبا ليست خائفة من اللاجئين السوريين، بل ترحب بهم لأنهم يشكلون رصيداً حضارياً كبيراً لها، بينما الخوف الأوروبي الحقيقي من اللاجئين الأفارقة القادمين إليها عبر ليبيا بعد سقوط نظام القذافي الذي كان يحد من هجرة الأفارقة إلى أوروبا.

لكن على المقلب الآخر، يرى كثيرون أن سوريا لن تستعيد حيويتها إلا بعد أن تعود كياناً واحداً، وبعد أن تستقر أوضاعها الاجتماعية والأمنية والعسكرية، وهو أمر بعيد المنال على ضوء الصراع الذي مزق البلاد ديمغرافياً واجتماعياً ودينياً، وجعلها قابلة للتصارع والتناحر لعقود وعقود. وحتى لو استطاع السوريون أن يدملوا أحقادهم، وعاد الوئام إلى ربوع البلاد، فإن نهوض البلاد سيكون بطيئاً جداً، إن لم يكن مستحيًلا لأسباب اقتصادية ومالية بالدرجة الأولى.

تعالوا نقارن ميزانية العراق بميزانية سوريا. فبفضل ثروته النفطية الهائلة وصلت ميزانية العراق العام الفائت قبل انخفاض أسعار البترول إلى حوالي مائة وخمسة وثلاثين بليون دولار، بينما لا تزيد ميزانية سوريا في أحسن حالاتها عن خمسة عشر بليون دولار، وقد انخفضت إلى النصف بعد الثورة. ورغم ميزانيته الضخمة، لم يستطع العراق أن يؤمن لشعبه حتى الآن كأس ماء نظيف ولا أبسط الخدمات الأساسية كالكهرباء، لا بل إن العراقيين يجدون صعوبة في تأمين الوقود رغم أن بلدهم يعوم على بحر من النفط. ورصدت الحكومة العراقية أكثر من ثلاثين بليون دولار لإعادة بناء شبكة الكهرباء في البلاد، لكنها أخفقت في تأمين الطاقة لنزر قليل من العراقيين، بسبب انعدام الأمن والاستقرار. وما زال الوضع على حاله في العراق رغم أن النظام الأسبق سقط في العام 2003.

كيف إذاً يمكن إعادة إعمار سوريا وهي لا تمتلك عشر ميزانية العراق، ناهيك عن أن أوضاعها الأمنية والاجتماعية ستكون مشابهة للعراق وربما أسوأ لوقت طويل؟ وكل من يراهن على المساعدات الخارجية أو مؤتمرات الدول المانحة كمن يراهن على دخول إبليس الجنة. كلنا شاهد كيف تبخرت الوعود الدولية للصومال وأفغانستان ويوغسلافيا السابقة وغيرها من البلدان المنكوبة.

وحتى السوريون الذين هربوا بأموالهم ليسوا مستعدين أن يعيدوا قرشاً واحداً ما لم يطمئنوا على مستقبل البلد تماماً ويرى أصحاب هذا الرأي المتشائم أن الخدمات الأساسية في أي بلد يتعرض لصراع داخلي مرير ستتأخر عودتها إلى وقت طويل جداً،ويرى أصحاب هذا الرأي المتشائم أن الخدمات الأساسية في أي بلد يتعرض لصراع داخلي مرير ستتأخر عودتها إلى وقت طويل جداً، فبالرغم من أن الحرب الأهلية انتهت في لبنان في بدايات تسعينات القرن الفائت إلا أن اللبنانيين لم يستطيعوا إعادة الكهرباء للبلاد حتى الآن، وما زالت الكهرباء تشتغل ساعتين وتتعطل معظم الوقت، ناهيك عن أن معظم اللبنانيين راحوا يعتمدون على المولدات، كما في العراق.

أضف إلى ذلك أن معظم الطاقة الشبابية العاملة لم تعد إلى لبنان، بينما معظم العراقيين الذين غادروا البلاد لم يعودوا إليها. ولا ننسى أن السوريين كانوا يغادرون البلاد بعشرات الألوف عندما كانت سوريا في أفضل حالاتها. ويجب أن نتذكر أن أكثر من نصف مليون من مدينة صغيرة كالسويداء هاجروا إلى فنزويلا ولم يعودوا.

وكنت قد سألت مفكراً سورياً محسوباً على النظام وقريباً من الدوائر الأمنية بعد الغزو الأمريكي للعراق العام 2003 كيف ينظر النظام السوري إلى العراق بعد الغزو، فقال لي حرفياً وقتها إن «النظام سينسى العراق لنصف قرن قادم لأنه انتهى بشكله القديم». وسألت : “سوريا إلى الضياع والتيه. سوريا انتهت”.

 

 

 

 

 

http://shabiba.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى