يندر أن تشاهد برنامجاً عربياً للكاميرا الخفية يمكنه أن يُضحِك بحق، يضحك من دون أن يهين ضيوفه. معظم كاميرا العرب الخفية تبدو وكأنها خلقت لإهانة ضيوفها، لكن ليس ذلك فقط ما يستفز في تلك المقابلة المفتعلة للكاتب الجزائري رشيدة بوجدرة مع قناة “النهار” الجزائرية وبرنامجها الهزيل “رانا حكمناك”، لقد أهين الرجل مراراً أمام الكاميرا، وهو على تلك المكانة الرفيعة في العطاء الأدبي، وفي تلك السنّ.
مثّل صانعو الحلقة استدعاءً أمنياً يأتيه أثناء التصوير، فيظهر خوف بو جدرة جلياً، يدفع عن نفسه الاتهام بنطق الشهادتين وبالسبحلة (قول سبحان الله)، يقول، ويعيد، فيما لا يتمكّن مفبركو التمثيلية أنفسهم من إخفاء ضحكهم.
إهانة لا يستحقها أياً كان، أديباً كان أم مواطناً عادياً، لكن المحزن أكثر من أي شيء، هو لماذا يصاب الناس بالذعر من مجرد استدعاء أمني؟ في الجواب على هذا السؤال تكمن فضيحة الأنظمة العربية الاستبدادية. يعرف الجميع أن مجرد الاستدعاء هو حكم يتبعه الإذلال والجلد والقضاء سنوات في المعتقلات وربما الموت تحت التعذيب.
من كان تحت الضوء هنا لا بوجدرة وحده، بل أنظمة الحكم الاستبدادي، من نظام بوتفليقة إلى سواه من أنظمة العالم الثالث، هي من كان تحت عدسة الكاميرا الخفية، وعلى ذلك فالمشهد كان للبكاء لا للضحك.

اللاجئ في كاميرا خفية

يستخدم برنامج “الصدمة” على قناة “أم بي سي” عائلة سورية لاجئة فخاً لرواد مطعم مصري، يحاول النادل (ممثل) طرد العائلة (الممثلة أيضاً) على مرأى الرواد ليكشف ردود الفعل، ومدى نخوتهم في مساندة العائلة السورية التي تطرد لا لشيء إلا لأن السوريين غير مرغوب بهم في المطعم. سنحصل على ردود فعل غاضبة، وما يشبه ثورة صغيرة في مطعم تصرخ ضد محاولة الطرد الجائرة، ومن ثم سنشهد مقابلات مع “أبطال” هذه “الثورة” متحدثين عن نخوتهم كمصريين يرفضون هذا التصرف، لأننا “كلنا عرب”.
تنتقل التجربة مع عائلة سورية جديدة إلى مطعم في ألمانيا، ولن تكون “الثورة” الألمانية بأقل من نظيرتها المصرية. كانت ردود فعل طبيعية تماماً، لبشر طبيعيين.
مع ذلك، ورغم أن البرنامج يقدم الأمر على أنه نوع من التعاطف مع قضية اللاجئين، وعلى أنه دعوة لتضامن اجتماعي أكبر، إلا أن هناك ما يستفز في البرنامج. ليست مسألة التخلي عن فكرة الإضحاك، التي هي أساس الكاميرا الخفية القائمة، هي المشكلة، إنما يبقى ثقيلاً بعض الشيء تحويلها إلى ميلودراما منتزعة للدموع، أو فرصة لأشكال من الخطابة والعنتريات.
الأثقل على القلب أن يصبح اللاجئ هكذا عرضة للاستخدام والمزاودات. لماذا تجد عائلة سورية لاجئة، بكبارها وأطفالها، لا تمتهن التمثيل في الأساس، عرضة لأدوار تمثيلية هزيلة إلى هذا الحد!

“الجزيرة بلس” بين ترامب وماكرون

استطاعت “الجزيرة بلس” في فيديو لها أن تلتقط المفارقات بين خطابين للرئيس الأمريكي ترامب والفرنسي ماكرون يدوران حول الموضوع نفسه هو الانسحاب الأمريكي من اتفاقية باريس للمناخ. وضعت الخطابين في فيديو واحد، لنرى أي فارق بين الأدائين، والصورتين، والصوتين كذلك.
ترامب ذو النبرة العالية، الفارد ذراعيه ملء الشاشة، الغاضب، الذي يتحدث عن أمريكا أولاً، فيما ماكرون بنبرة هادئة، وبلغة انكليزية نادرة من رئيس فرنسي، وبأداء جسدي منضبط، بمسؤولية عالية، بخطاب يكرر عبارات مثل “نحن وشركاؤنا، نتشارك، مسؤولياتنا، كوكبنا..”، ليصل، بمحاكاة واضحة لشعار ترامب أثناء حملته الانتخابية، إلى القول “لنجعل كوكبنا عظيماً مجدداً”.
أداء ماكرون يشعر بالثقة حقاً، يتحدث عن اتفاق باريس للمناخ، كما لو أنه بمثابة بيان عالمي لحقوق الإنسان. كما لو أننا أمام مدينة الأنوار بحق، تشعّ، فيزدهر العالم.

تبديد الأيقونة

حسين مرتضى، مراسل إحدى القنوات الإيرانية من دمشق، مثابر في تغريداته الأخيرة على التويتر في نشر صور ومقابلة مع والد الطفل السوري عمران. يبدو ذلك بمناسبة إعلان شركة الاتصالات “زين” التي أثارت أزمة نسبت قصف بيت الطفل السوري عمران، صاحب الصورة الأيقونية الشهيرة، لتنظيمات أصولية، في وقت كان النظام السوري والروسي وراء ذلك القصف.
وفي وقت نسبَ الإعلان ذلك لإرهابيين، يأتي فيديو مرتضى، وعلى لسان الأب، ليؤكد أن “البيت سليم”، وأنهم “صاروا يتاجروا بدمه”، وأن الأب بدوره حلق شعر الصبي عمران، وغيّر اسمه “حتى ما يكفّوا التمثيلية”، كما يقول. بل إن جهات كثيرة حاولت أن تشتريه بمبالغ كبيرة، بل هو يذكر أسماء إعلاميين معارضين بعينهم.
نعرف جيداً كيف يستلّ النظام السوري وإعلامه أقوال الناس وبأي أساليب، لكن واضح هنا أن لا تعارض بين رواية والد الطفل عمران وحقيقة أن النظام قصف ويقصف المدنيين بالبراميل وصواريخ السكود والكيماوي، والتي راح ضحيتها آلاف من الأطفال كعمران لم يسمع بهم أحد، ولا جعل العالم من صورهم أيقونات.
يصعب أن ينكر النظام، ومن ورائه محور الممانعة، كل تلك المجازر، ولا يبدو مهموماً بأن ينكرها، همه الوحيد الآن أن يبدّد الصورة الأيقونة، هو مذعور أن يحفظ التاريخ تلك الصور، وينسبها لقاتل واضح، شديد الوضوح.
ثم لماذا تصدر كل الفيديوهات والصور والأخبار الملفقة موقّعة بختم الإيراني حسين مرتضى!

 

 

 

 

 

 

القدس العربي