عندما “هاجم” الشهيد رصاصة العدو ! .. بسام البدارين
مرة أخرى أعادني التلفزيون الإسرائيلي بقناته الثانية إلى أجواء مباريات كرة القدم عندما تطل الرواية الرسمية، كما حصل في الماضي على أساس.. “رؤوس المشجعين هاجمت هراوات رجال الأمن”.
عندما تعلق الأمر بالمجرم الإسرائيلي، الذي قتل أردنيَين بدم بارد خرجت علينا تلك الرواية لتقول ضمنيا إن “رأس الشهيد محمد الجواودة هاجم رصاصة الدبلوماسي الإسرائيلي فقتل المهاجم في هذه الحالة وقتل معه في الأثناء وبالصدفة – يا للغرابة – الطبيب الشهيد بشار الحمارنة!
تماما على طريقة دور السينما الشعبية، حيث فيلمان بتذكرة واحدة.. قتيلان بالرصاصة نفسها.
نحمد الله أنها ليست رواية رسمية أردنية، وإن كان بعض الموظفين قد تورطوا بها؛ حيث شاهدنا مثل ذلك فقط في المسلسلات البوليسية وعلى محطة “أم بي سي”، وفي مسلسل النجم المحقق “غيبز”؛ حيث محللة مختبر مهووسة بالقهوة ولديها شعر طويل تجترح هذه النظريات.
تم إبلاغ بعض أهالي الشهيدين فعلا بهذه الرواية.
لكن مثل هذه الصدفة لا أشتريها شخصيا، ولتعذرني الحكومة الأردنية، ليس لا سمح الله تشكيكا بالرواية الرسمية، ولكن لأن ظهور وزير الخارجية أيمن الصفدي السريع على محطة “سكاي نيوز” بعبارة قاسية وخشنة ضد الكيان الإسرائيلي توحي بأن الحادثة أبعد وأعمق من مجرد” طوشة على قطعة أثاث.”
إليكم النبأ الجديد، الذي يزعج عمان الرسمية ولا تريد مجرد الإشارة إليه. وافقت السلطات على مغادرة الحارس الإسرائيلي بعد تدوين إفادته، لكنها فوجئت بالطرف الآخر “يسحب” كل أفراد طاقم البعثة الإسرائيلية… سألت: لماذا يا ترى؟ هل تل أبيب بصدد “قطع” العلاقات الدبلوماسية مع الأردن؟
ما هو مبرر سحب كل الطاقم وهو أمر لم يكن مطلوبا أردنيا ولا مطروحا؟ حتى اللحظة لا أحد يعرف الجواب، لكن القناة الثانية في تلفزيون العدو ألمحت إليه وهي تتحدث عن “الرطل الأردني الملكي” الذي بطح الرطلين. فقرار القيادة الأردنية كان: حسنا.. سحبتم الطاقم.. لن يعود إلا بعد محاكمة القاتل.
الأقصى وخادم الحرمين
وحتى نسترسل لا بد من بعض “المستور” في العادة .. موجة التضامن الحكومي الأردني مع “نضالات أهلنا في القدس” لم تكن مألوفة وقد التقطنا ذلك في مقابلة “سكاي نيوز” مع الوزير الصفدي، الذي بدا مشتعلا. وهو يتصدر ويتصدى لأخلاقيات حكومة نتنياهو الغائب.
أنا شخصيا أفكك المشهد على أساس العنصر السعودي في المسألة؛ حيث تبين لنا فجأة أن الحكومة الإسرائيلية تهدي انسحاب قواتها من بوابات الأقصى لجلالة خادم الحرمين الشريفين.
فقط كأردني أفهم الآن، لماذا لا تريد الأذن السعودية التقاط عبارة “النبي الهاشمي العربي”.
وأفهم لماذا يبلع تلفزيون بلادي الموس ويصيح “في فمي ماء” ويندفع بعض أصحاب الرأي من مسؤولين سابقين أو محللين لاقتراح في غرفة مغلقة من طراز” رعاية.. بدلا من وصاية”.
للعلم فقط، ومن باب تبادل الفصاحة الرعاية تعني حسب صديق محنك من أنصار هذه المدرسة حفاظا على الأردن فرش سجادة وتعيين مؤذن وضمان عمل مروحة التبريد.. إلخ
واضح أن الأردن متمسك بمسؤولياته.. الأوضح وهذا ليس سرا من وزير يقال في غرفة مغلقة أن الأردن وحيد في مضمار التصدي في المحافل الدولية عندما يتعلق الأمر بالأقصى، ولعل ذلك ما يدفع حكومة نتنياهو لكل هذا الانحدار في مناكفة بلد شريك في السلام مثل الأردن.
العتيبة.. “سوبر ستار”!
لا تتردد القناة الثانية في إسرائيل في الإشارة للدور السعودي الذي تفاوض على عودة الهدوء في أكناف الأقصى..على طريقة المسلسلات المصرية والأعراس ترد عليها القناة الثانية في التلفزيون السعودي بـ “زغروتة” أو “زلغوطة”، حسب إخوتنا في بلاد الشام.
نقولها وأجرنا على الله، من باب التحليل وليس الاعتراض – لا سمح الله – الخطة أو الخلطة كالتالي السعودية هي مركز “الكون السني” ونتنياهو سيتحول لمركز “التمثيل اليهودي”، ونحن جماعة “الإسلام المعتدل المخلوط بالتطبيع أحيانا” خارج التغطية، ومعنا بطبيعة الحال الشعب الفلسطيني ودولته التي ستقام في قطاع غزة.
في الحلقة الأردنية حصريا كان لا بد من سيناريو محكم يبدأ بـ”مفك أثاث” مزعوم يؤدي لحادثة ما تخلط الأرواق في الشارع الأردني و”تبرر” سحب الطاقم الدبلوماسي الإسرائيلي، لأن أحد الحاخامات ظهر على الشاشة الإسرائيلية وهو يجدد اعتباره شرق الأردن المكان الطبيعي لدولة فلسطين مع إضافة نوعية نادرة تقول “.. برعاية الشرعية السعودية”.
أنا لا أهذي بالمناسبة، فهذا ما تقوله محطة “بي بي أس” الأمريكية أيضا وهي تستعرض التصريحات الأخيرة للسوبر ستار سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، وهو يؤكد أن الأزمة مع القطر “فلسفية” وعميقة لها علاقة بالشكل الجديد في المنطقة والسعي نحو “العلمانية” على أساس أن العلمانية “مقطعة بعضها” في دول الحصار على قطر.
هو في الأحوال كلها شكل “لزيز” يشبه الأردن الذي نشاهده في فواصل إعلانية تنشرها على “أم بي سي مصر” هيئة تشجيع السياحة.
لكن كل ذلك لا يعني أن “الفيلم الهندي” الجديد سيعبر، وقد نكون- نقول قد – أمام لحظة حاسمة في حفلة “الوناسة العربية”، التي تتسابق لإرضاء العدو الإسرائيلي على اساس تحول السعودية لدولة “علمانية” مع هامش ديني باسم “سنة الكون” في مكة أشبه بالفاتيكان على أن يرسم نتنياهو حلمه في الدولة اليهودية عند حائط المبكى وتصفق أبو ظبي للجميع.
في الختام.. قلنا ذلك ونعرف مسبقا حجم الصداع، الذي سيتسبب فيه لكن أجرنا مع من قرأ على الله.
القدس العربي