نصائح كتاب وروائيين: هكذا تكتبون بشكل أفضل
“الكتابةُ لفرطِ الركاكة العمومية التي تحيط بنا باتت بلا أسوار أو حراس، منطقةً مستباحة بفائض اللغة الاستعمالية التي لا ترقى إلى عتبةِ البلاغة في طبقتها الأولى، وهو ما شجع بعض هواة القراءة على اقتحام حقل الكتابة ببذور فاسدة، وبعض الأسمدة الزراعية وهتافات الأصدقاء، لكن فحصاً سريعاً لهذه النباتات الطفيلية يكشف عن سبخٍ صريحٍ في نوعية التربة”.
يقول الروائي خليل صويلح في كتاب له قيد الإصدار تحت عنوان “ضد المكتبة” عن “دار نينوى، دار أثر”، في إشارة إلى الخطر المحيط بقراء اليوم، تحديداً أولئك الذين تحولوا على عجل إلى كتّاب بعد حصة قراءة موجزة.
إلا أن للكتابةِ غوايةً تصطاد كلَّ من يقع في شباكها، كما أن العالم الرقمي قد أتاح مساحة لكل راغبٍ بخط حروفه وأن يبني منصته الخاصة سواء امتلك موهبة الكتابة أم لم يمتلك، ما أدى إلى ازدحام الغثّ والجيد معاً.
لكن عدداً ليس بقليل يسعى لامتلاك أدوات الكتابة وتقنياتها قبل أن يمسك قلماً، باحثاً عن السبل التي تحول الكتابة من مجرد هواية إلى ممارسة يومية قائمة على ثوابت وأسس، لأولئك نقدم تجارب ونصائح كتّابٍ في مجالات إبداعية وصحفية لعلها تضيء لهم عتبةً بداية الطريق.
الكتابة الإبداعية: هل يمكن اكتسابها؟
يعتبر الروائي المصري محمد عبد النبي أن الكتابة عمل كأي عمل آخر، يحتاج إلى ممارسة وانتظام وتأمل وتطوير، لافتاً إلى أن الاستمرارية هي أولى خيوط الممارسة، لذا ينصح بالاستمرار في الكتابة في إطار منهجي وبالتدريج خطوة خطوة “الممارسة خير معلّم، من دون إغفال أهمية القراءة والاحتكاك والتعلّم عبر الكتب الخاصة بالتقنيات أو الورش العملية”.
يقدم عبد النبي ورشاً بالكتابة الإبداعية منذ سنوات، ويستعد لإصدار كتاب حول ذات الموضوع بعنوان “الحكاية وما فيها- السرد: مبادئ وأسرار وتمارين”. يضيف لرصيف22 “الكتاب لا يمنحك عصا سحرية تجعل منك كاتباً مرموقا لكنه يعطيك الأدوات اللازمة لاكتشاف صوتك الخاص وتطوير أسلوبك وامتلاك التقنيات”.
يقول في مقدمة كتابه “لا تزال مسألة تعليم وتعلّم الكتابة الإبداعية لا تجد ترحيباً كبيراً في الأوساط الأدبية بعالمنا العربي، بحجة أن الإبداع الأدبي لا بدّ أن يعتمد على الموهبة الفطرية، وأن الإرشاد والتوجيه قد يشوّش تجربة المبدع العفوية الحرة، كأن الإنسان إمّا أن يولد كاتباً كبيراً وإمّا أنه لن يستطيع أن يكتب سطراً جيداً”.
يؤكد صاحب “في غرفة العنكبوت” أن ورش الكتابة الإبداعية تشجع على العمل والإنتاج في إطار منظم، بدءاً من “كيفية تتبع مصادر الإلهام وتفتيح الآفاق، وكيف نهزم طغيان الصفحة البيضاء ورهبتها، وكيف نجمع أفكارنا كمن يصطاد فراشات ملوّنة”.
يركز في كتابه أيضاً على محاور أساسية في عملية الكتابة السردية مثل الثيمة، الحبكة، تحويل المعاني المجردة إلى سرد درامي وأشياء ملموسة، إلى جانب نصائح كتاب عالميين حول ممارسة الكتابة.
الكتابة الصحفية: رحلة البحث عن الإجابات
التخصص والرغبة في تحصيل المعرفة والإلمام باللغة العربية هي أساسيات الخوض في عالم الكتابة الصحفية، يقول الكاتب والصحفي أحمد شوقي علي، لافتاً لرصيف22 أن على الصحفي أن يتعامل مع كافة المواضيع كأسئلة تشغله، إما سؤال يمتلك وجهة نظر للإجابة عليه، فيشاركه مع القارئ، أو سؤال يبحث له عن إجابة، فيشرك القارئ في رحلته البحثية.
هذا الشكل من الكتابة يخرج بالعمل الصحفي عن الطريقة التقليدية، حسب قوله وهو الأمر الذي سعى في تحقيقه مع المتلقين الذين دربهم في الورش الصحفية “لم ننشغل بتدريبهم على خطوات أو استراتيجية أو تنظيم معين، فالعمل الصحفي يفرض إيقاعه على الصحفي شاء أم أبى”.
حول تحويل الكتابة من هواية إلى احتراف يقول صاحب “روايات الحسن والحزن” “تحويل الكتابة من هواية إلى احتراف، هذا الأخير يفرضه السوق، ولا تفرضه الكتابة، الكتابة تقتات على النسيان، وليس على الذاكرة عبر تسجيل الآني، الكتابة المستمرة لا أفهمها إلا في إطار تطوير الكاتب من مهاراته. البحث عن تقنية ثم تجاوزها إلى أخرى وهكذا، وهذا يحدث عبر فعل الكتابة نفسه، وهو فعل غير مرتبط بالممارسة اليومية للكتابة الإبداعية وحدها”.
قدم أحمد علي شوقي عددا من ورش الكتابة الصحفية، كانت إحداها تحت عنوان “”الكتابة المتخصصة” كانت حول ممارسة الصحافة المتخصصة في شؤون الثقافة والفنون، في فبراير/شباط الماضي على هامش فعاليات مهرجان القاهرة الأدبي بمشاركة الصحافية السويسرية سوزان شنده.
التدوين، بعيداً عن ضجة شبكات التواصل الاجتماعي
الكاتب والصحفي مناف زيتون يقف على ضفة التدوين معتبراً أن له ميزة عن غيره من منصات الكتابة “النص المكتوب في المدونة له خصوصيته عما هو منشور في مواقع التواصل الاجتماعي، فلا يقرأ جنباً إلى جنب مع تهاني الأعراس والنكات وصور المأكولات، كما أن سهولة أرشفته تجعله مرجعاً للقراء على عكس نصوص الفيسبوك التي تضيع بعد أيام بين آلاف المنشورات بسبب سوء التصنيف والأرشفة.
من يود إطلاق مدونة عليه الإلمام ببعض المعارف التقنية لتفادي الكوارث التكنلوجية، وحد أدنى من المعرفة باللغة العربية كي يتمكن من الوصول إلى الجمهور العربي بشتى لهجاته” يضيف لرصيف22 أن على المدون يسعى إلى التجديد والتنوع في نشر موضوعاته كي لايوقع قراءه في شراك الملل.
وعن كيفية التعامل مع المدونة يقول زيتون “السعي خلف التصفح والتفاعل المرتفعين غالباً ما يملأ المدونة بالحشو من أجل تحقيق شرط النشر المستمر، ويجعلها شيئاً فشيئاً تتبع سياقات المضامين الفارغة المنشورة على شبكات التواصل الاجتماعي”.
الأمر الذي جعله يتعامل مع المدونة كـ”كتاب أضيف إليه القليل كل يوم، وأتيحه للتصفح بسهولة وأناقة في أي وقتٍ يقع قارئ على مدونتي. أفضل عشر قراءٍ يومياً للتدوينات التي أستمتع وأجد مغزىً من كتابتها ونشرها، على آلاف القراء لتدوينات لم تكتب سوى لإرضائهم وجذبهم في الأصل”.
يعتبر صاحب “طائر الصدى” أن خطاب المدونة موجهٌ لأشخاص أكثر مايميزهم أنهم غرباء تقريباً، فلا يكون لديهم مانع في توجيه كافة أشكال النقد، وينجذبون إلى المدونة عبر محركات البحث وليس المعرفة الشخصية للكاتب.
يضيف “المدونة تتيح للكاتب فرصة الحصول على رأي فوري من القارئ مايدفعني إلى التطور بشكل أسرع”.
استخدم مناف زيتون مدونته كمنصة للنشر أربعَ سنوات قبل نشر روايته الأولى “القليل من الموت” الأمر الذي كان له أثر في تأسيس قاعدة من القراء المتحمسين لمتابعة باكورة أعماله، معتبراَ إياها مساحةً لقراءة مجانية لعينات من عمل الكاتب يمكن أن تدفع الكثيرين لاقتناء مؤلفاته لاحقاً، والتذكير الدائم باسمه وموهبته في فترات الغياب الطويلة بين الرواية والأخرى، التي قد تستمر لعدة سنوات.
من كُتّاب الغرب: عِش الحياة، لا تنتظر الإلهام، واكتب
يختتم الكاتب محمد عبدالنبي إصداره الجديد “الحكاية وما فيها – السرد: مبادئ وأسرار وتمارين” بنصائح كتاب غرب لهم تجاربُ إبداعيةٌ غنية اخترنا بعضاً منها:
“القاعدة الأساسية فيما يتعلق بالكتابة هي أنك إذا مارستها بما يكفي من الاطمئنان والثقة بالنفس، فمن المسموح لك أن تفعل ما يحلو لك أياً كان. (ربما تكون هذه قاعدة للحياة كما هي للكتابة. لكنها تصدق مئة في المئة على الكتابة.) وهكذا اكتب قصتك كما تحتاج هي أن تُكتب. اكتبها – بأمانة، واروها بأفضل طريقة تستطيعها. لستُ متأكداً إن كانت هناك قواعد أخرى، أو قواعد أخرى جديرة بالاهتمام”.
أما الكاتب البريطاني نيل جايمان، الكاتب الذي حصدت أعماله جوائز عالمية، فيقول: “إن طريقةَ كتابة كتاب هي أن تقومَ بكتابته فعلياً. قلم الحبر مفيد، والنقر على لوحة مفاتيح جيد كذلك. واصِلْ وضعَ الكلمات على الصفحة”.
وتقدم الكتابة الأيرلندية آن إنيرايت نصيحة أخرى: “اكتشف أفضل وقت من اليوم للكتابة بالنسبة لك، ثم اكتب. لا تسمح لأي شيء آخر بمقاطعتك وإزعاجك. بعد ذلك لن يكون من المهم أن مطبخك في فوضى كاملة. لا تنتظر الإلهام. كلمة السر هي الانضباط”.
كتب الروائية البريطانية إستر فرويد، عن نفس الموضوع، ونشرت مقالة عنوانها “الكتاب الذي كنت أهم بكتابته لـ18 شهراً كان سيئاً للغاية”، وتدعونا للتركيز على مجال مختلف، حيث تقول: “ارفع من قوتك اللفظية، فالمفردات هي المادة الخام لحرفتنا، كلّما تعاظم مخزونك اللغوي صارت كتابتك أقوى أثراً. اقرأ بتوسّع ولكن بانتقائية مُتعصّبة، الكتابة السيئة مُعدية”.
الروائية الإنكليزية بي دي جيمس تضيف: “تخلّص من الخوف. هذا أمرٌ مستحيل، ولكن دَعِ المخاوفَ الصغيرة تقود تحريرك وإعادة الكتابة، وضع جانباً المخاوف الكبيرة إلى أن تهدئ نفسها بنفسها – ثم استخدمها بعد ذلك، وربما حتى تكتبها. فإذا كان خوفك أكبر من اللازم فلن تحققَ إلا الصمت”.
تشارك الكاتبة الاسكتلندية أي .إيل كينيدي تجربتها الخاصة، فتقول: “الشرط الأساسي بالنسبة لي هو أن أحتفظ بنبع أفكاري متدفقاً وغزيراً. مما يعني العيش حياة ممتلئة ومتنوعة بقدر المستطاع، وأن تكون قرون استشعاري مشرعة في الهواء طيلة الوقت”.
ويقول الكاتب والشاعر الإنكليزي مايكل موربورجو: “خذ حذرك من الكليشيهات. هناك كليشهات لها علاقة بالبصر وكذلك بالأفكار – بل وحتى المفاهيم. كثير من الروايات، حتى بين تلك جيدة الكتابة إلى حدٍ كافٍ، ما هي إلا كليشيهات على مستوى الشكل تتحول إلى كليشيهات على مستوى التوقّع”.
“قم بعملك كل يوم. فلتكتسب عادة صياغة مشاهداتك في كلمات وبالتدريج ستتحول هذه العادة إلى غريزة ثانية لك. هذه هي القاعدة الأهم على الإطلاق، وبطبيعة الحال أنا لا أتبعها”
وربما كانت المحاولة أحد أهم أسرار النجاح كما يقول مبتكر شخصية “طرزان” الكاتب الأمريكيإدجار رايس بوروز “لقد كنت ناجحاً ربما لأنني أدركت دائما أنني لا أعرف شيئاً عن الكتابة وحاولت فقط أن أقول قصة مثيرة للاهتمام مسلية”.
وئام يوسف