هل ستبقى مواقع التواصل الاجتماعي صوت الشعوب؟ .. د.فيصل القاسم
لكن انتشار مواقع التواصل الاجتماعي كفيسبوك وتويتر ويوتيوب وغيرها من المواقع التي انتشرت كالنار في الهشيم بين شعوب العالم، والشعوب العربية خاصة، جعلت الكثيرين يظنون بأن الإعلام سيخرج نهائياً هذه المرة من يد الحكومات ووزارات الإعلام العربية. وهذا ما حدث فعلاً منذ سنوات، بحيث أصبحت مواقع التواصل لأول مرة في التاريخ البشري صوت الشعوب الحقيقي، بحيث تحول كل فرد يملك جهاز كومبيوتر أو حتى هاتفاً خليوياً إلى ناشر وصحافي بطريقته الخاصة. ولا يكلف المرء سوى فتح حساب شخصي أو صفحة على مواقع التواصل ليبدأ بمخاطبة العالم أجمع بالنشر والتعليق والتوجيه. وهنا فعلاً وجدت الدول نفسها لأول مرة في تاريخها في الزاوية، بحيث خرج الأمر من يدها تماماً رغم كل ما استثمرته في التجسس والمراقبة والضبط. بالطبع لا يمكن للدول أن تراقب ملايين الحسابات على مواقع التواصل، ولا يمكنها أيضاً أن تعاقب ملايين البشر على ما ينشرون إذا ما خرجوا عن طوقها. إلا أن هذه الفرحة بظهور مواقع التواصل وتحولها إلى برلمانات شعبية حقيقية للتأثير على الحكومات وتفنيد رواياتها السياسية والاجتماعية، بدأت تتلاشى في الآونة الأخيرة.
وجدتها وجدتها، صاحت الدول. لماذا نترك هذا الفضاء التواصلي الرهيب تحت سيطرة الشعوب؟ لماذا لا نتدخل نحن بطريقتنا لاستغلال تلك المواقع للدعاية والترويج والتضليل بنفس الطريقة التي كنا نشتغل بها في وسائل الإعلام التقليدية القديمة؟ وفعلاً بدأت الدول تصنع جيوشها الالكترونية الجرارة، وتنفق عليها الملايين لكبح المد الشعبي لتلك المواقع. ليس هناك الآن بلد عربي لا يمتلك جيشاً أو ذباباً الكترونياً تديره أجهزة المباحث والمخابرات للترويج لوجهة النظر الرسمية ولإرهاب الشعوب وتحويل تلك المواقع إلى مجال حيوي للدول والحكومات. وقد شاهدنا كيف جندت السعودية عشرات الألوف من الشبان لمهاجمة كل من ينتقد النظام، لا بل إن الإرهاب والترهيب الحكومي في السعودية أدى إلى خروج ملايين المغردين السعوديين رغماً عنهم من موقع تويتر مثلاً ليفسحوا المجال للون واحد من الرأي، ألا وهو رأي الذباب الكتروني الذي يسبّح بحمد النظام وحاشيته.
حاول أن تنشر أي استطلاع حول قضايا سعودية في تويتر حيث يسيطر الذباب الكتروني، فستجد أن غالبية المصوتين من الذباب، بحيث تكون النتيجة لصالح النظام، لكن ليس نتيجة استفتاء حر، بل نتيجة تجنيد ألوف المرتزقة للتصويت باتجاه معين. وبذلك تكون بعض مواقع التواصل قد أصبحت وسائل دعاية لهذا النظام المتنفذ أو ذاك، خاصة وأن المغردين المستقلين والأحرار يخشون أحياناً من التعبير عن آرائهم الحقيقية بعد أن بات المنشور التويتري أو الفيسبوكي يودي بصاحبه إلى غياهب السجون.
والأخطر من ذلك، وبعد أن بدأ بعض مواقع التواصل يتخلى عن وظيفته التواصلية ويتجه باتجاه العمل التجاري، راح الكثير من المتمولين والحكومات الثرية تحاول شراء الحصص في مواقع التواصل الدولية للسيطرة عليها وتسييرها في الاتجاه الذي يخدمها، ولطرد الأصوات التي يمكن أن تزعجها. ولطالما سمعنا عن اختراق بعض الدول لهذا الموقع أو ذاك. وإذا استمرت النزعة التجارية في مواقع التواصل، فستجد الدول، وخاصة الثرية، منفذاً واسعاً لها للتغلغل فيها وحرفها عن مسارها التواصلي وتحويلها إلى أدواة دعاية وترويج مدفوعة الثمن. وبذلك تأخذ الدول والحكومات زمام المبادرة ثانية في السيطرة على وسائل الإعلام التي ظننا خطأً أنها خرجت من قبضتها.
كاتب واعلامي سوري
[email protected]