فقر يطرق الباب في دمشق.. ومغتربوها يرفدون أهلهم
لم يعد يخفى على أحد أن الوضع الاقتصادي في سوريا بات صعباً للغاية خلال سنوات الحرب الأخيرة، إلا أن للأشهر القليلة الماضية وقع مختلف.
فقبل أيام ترك أب أطفاله على باب مستشفى مع رسالة اعتذار، وقبلها ضبط مسن يأكل من القمامة، فيما شوهد أحدهم يعرض كبده للبيع، وقصص أخرى كثيرة ظهرت حاملة مآسي أهل العاصمة، مشكلة ظواهر لم تشهدها سوريا من قبل.
وعن هذا الواقع المعيشي، سلطت دراسة لباحثين سوريين الضوء على ما يجري تحديدا في العاصمة السورية، صدرت عن “مركز السياسات وبحوث العمليات”، وبحثت في استقصاء شمل 600 عائلة مقيمة في أحياء متنوعة من دمشق مراعية عدة زوايا بينها: الجنس، العمر، والتعليم.
ووفق النتائج، أشار الباحثان عروة خليفة، وكرم شعار، إلى أن الدراسة قسمت الطبقات الاجتماعية، من خلال توزيع العينات على 3 أحياء، فقيرة، متوسطة، ومتوسطة إلى مرتفعة، فلاحظوا أن معدل ساعات العمل الأسبوعي للعاملين بدوام كامل تصل إلى 52.5 ساعة أسبوعياً لتكون دمشق من الأعلى عالمياً بهذه النسبة، ومع ذلك، تعيش أكثر من 94% من العائلات تحت خط الفقر الدولي، والذي يقدر بـ1.9 دولار يومياً للفرد الواحد.
إلا أن اللافت بالأمر، أن نصف العائلات أكدوا أنهم يشعرون أن مستوى معيشتهم متوسط، بيد أنهم حقيقة دون خط الفقر.
حرب الطبقات
“العربية.نت” تواصلت مع مدير الأبحاث في مركز السياسات وبحوث العمليات دكتور الاقتصاد كرم شعار، الذي أوضح أن الدراسة تمت عبر باحثين ميدانيين في دمشق عاينوا الأوضاع بأنفسهم، ونقلوا واقعاً معاشاً لأهالي العاصمة.
كما شدد في حديثه على أن الفقر لطالما كان موجوداً في مختلف دول العالم، وسوريا لم تكن بعيدة عنه قبل سنوات الحرب، إلا أن التركيز الكبير على هذه الآفة هذه الأيام كان بسبب الفارق الكبير الذي أحدثته الحرب بين طبقات المجتمع الواحد.
ولفت إلى أن الطبقات التي كانت تعتبر متوسطة أصبحت اليوم فقيرة، إلا أنها لا تعلم مدى ذلك.
كذلك أشار إلى أن العائلة الواحدة لم تعد تعتمد على مصدر واحد فقط للدخل، بل مصادر عدة كي تستطيع تأمين كفاف يومها، وهو ما لم يكن موجوداً سابقاً.
إضافة إلى ذلك، شرح شعار، أن مستوى الرواتب أضحى منخفضاً إلى حد كبير جداً، حيث يبلغ راتب موظف الدولة وسطيا 60 ألف ليرة سورية للشهر الواحد، بينما تحتاج العائلة المكونة من 5 أشخاص حوالي 900 ألف ليرة لتعيش فوق خط الفقر.
انخفاض سعر الليرة سبب الكارثة
وكشف كرم، أن قيمة الليرة انخفضت إلى حد كبير جداً، لافتاً إلى أن سوريا قد باتت للمغتربين أفضل بكثير، إذ أن معدل التضخّم قد بلغ 20 ضعفاً تقريباً خلال سنوات الحرب، فزادت الأسعار بنسبة 20 ضعف بينما زادت الرواتب 4 أضعاف فقط.
وعلى تلك الحسبة، غدت الأمور على السكان المحليين صعبة جداً، بينما على المغتربين بسبب فرق العملات الصعبة أمام الليرة أمراً رابحاً.
المغتربون والجمعيات ودعم الاقتصاد
ولعل تلك النقطة التي تثبت أن هناك نسبة لا بأس بها في أنحاء سوريا قد باتت تعتمد في مصدر دخلها على أموال المغتربين من أقرباء أو أصدقاء.
كما أن الاقتصاد أيضاً أصبح يعتاش من دخول العملة الصعبة إلى البلاد بعدما أرهقته العقوبات، وأضحى يعاني من شح بالدولار وغيره.
إلا أن هذا الأمر لا يمكن أن يكون دستوراً في كل الأوقات، فالمغتربون أيضاً ليسوا بأفضل حال بحكم الأزمة العالمية وتبعيات جائحة كورونا، ليأتي هنا دور الجمعيات الخيرية.
وبحسب المعلومات، فإن هناك دورا لا بأس به للجمعيات الخيرية في سوريا، وكذلك مساعدات المنظمات الدولية، إلا أنها لا تحل الأزمة من جذورها أبداً.
كما نبّه الباحث من أن البلاد أمام أزمة تنذر بتداعيات قاسية، خصوصاً أن أعداد فئة الشباب التي يُعتمد عليها كمصدر رئيسي للدخل إلى تراجع مستمر، بسبب الهجرة لأسباب متنوعة، منها الهرب من الخدمة الإلزامية، والخوف من الاعتقال.
الفرق بين دمشق وبيروت
وأوضح الباحث في كلامه أن هناك فرقا كبيرا بين البلدين، معتبراً أن بيروت ليست أسوأ من دمشق أبداً، فأزمة لبنان عمرها سنتان فقط، بينما أزمة سوريا عمرها 10 سنوات.
وكذلك فإن ما يميز دمشق هي أن سكانها وسكان سوريا عامة، باتوا يملكون قدرة مرعبة على التأقلم بحكم الوضع، ولا يعني هذا أن الأمور على مايرام أبداً، مشدداً على أن الأزمة في سوريا خانقة ولا تطاق.
هل هناك إمكانية للحل؟
في كلامه أوضح شعار، أن الشيء الوحيد الذي يعتبر باب أمل، هو أن الوضع لن يسوء أكثر من ذلك، معتبراً أن بعض دول العالم تبدي انفتاحًا تجاه التعامل مع النظام السوري وأن الإدارة الأميركية الحالية لا تفكر بمزيد من العقوبات على النظام، حسب اعتقاده.
إلى ذلك، أشار إلى إمكانية حدوث انفراجة ولو طفيفة في حال تحسن الوضع الصحي لوباء كورونا والذي زاد الطين بلّة.
إلا أن الباحث شدد في ختام حديثه، على ألا حل دائما وجذريا للأوضاع الاقتصادية في سوريا إلا بتسوية سياسية كاملة تنهي الأزمة وتفتح الباب لإعادة الإعمار.
يشار إلى أن الاقتصاد السوري كان مرّ خلال الأشهر الماضية، بأسوأ مراحله منذ عام 2011، فقد هبطت الليرة في فبراير/شباط إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق مقابل الدولار الأميركي في السوق السوداء، ما أدى إلى انخفاض قيمة الرواتب وارتفاع تكلفة الواردات.
كما زادت أسعار المواد الغذائية أكثر من الضعف في العام الماضي، وحذر بدوره، برنامج الغذاء العالمي من أن 60% من السوريين، أو 12.4 مليون شخص، معرضون لخطر الجوع، وهو أعلى رقم تم تسجيله على الإطلاق منذ بداية الأزمة في البلاد.