عندما انتقم عمرو دياب من الصحافة.. ومسلسل «الراية البيضا» بعيون زماننا ،، راشد عيسى

 

 

 

مقابلة قديمة مع المغني المصري عمرو دياب يتكرر ظهورها أمام سكان مواقع التواصل الاجتماعي كل فترة، بمناسبة أو من دونها. ولقد استُعيدت أخيراً، مع الزحف الجماهيري اللبناني الكاسح إلى حفلِهِ في بيروت. تذكرت تلك المقابلة التي أجراها الصحافي المصري مع مواطنه، الصاعد حينئذ، متمنياً أن يكون قد أتيح لفوزي أن يخلو لنفسه ليرى فداحة الأداء الصحافي فيها. إنها حقاً درس مهني، درس في ما ينبغي تجنّبه.

عمرو دياب محشور في زاوية، فيما فوزي يسأل بلغة أقرب إلى التأنيب: «أنا بسمعك، إنت بتبسطني، ولكن لا تطربني.. التطريب أمر آخر، ومجموعة الشبان الحاليين يسمعهم الناس بأيديهم، وربما بأرجلهم، وليس بآذانهم» .

يتحدث مفيد فوزي ويسمي بعض الفنانين؛ من أمثال عمرو دياب، وعلاء عبدالخالق، ومحمد فؤاد، معتبراً إياهم ممثلين لجيل.

يدافع دياب عن نفسه، وعن جيله، بأنه صاحب وجهة نظر، وهو قال ما معناه: من قال إنني أريد أن أُطرِب، من قال إنني أطمح إلى المستمع الجالس على كرسيه، مكتوف اليدين!

 

ما أطمح إليه هو المشاركة

إن درى أم لا، يستند عمرو دياب بالرغبة في المشاركة، إلى تحولات فنون الفرجة المعاصرة برمتها، تلك التي حققت انقلاباً في العلاقة بين الفن والجمهور، إذ لم يعد الأخير متلقياً سلبياً، يُملى عليه، هو جزء من اللعبة القائمة على الشراكة الإبداعية. نظرة بدأت من تجارب في التعليم، وصولاً إلى المسرح وسواه من فنون الفرجة.

 

غير أن مفيد فوزي لا يريد أن يفهم، ولا حتى أن يسأل بحق، لقد جاء الرجل ليوبخ فحسب، ولذلك تجده ما أن يسمع ضيفه يتحدث عن صراخ وعويل في تجارب أخرى حتى يلاحقه ليذكر له أسماء، يريد الرجل خبطةً صحافية بأي ثمن.
لا يريد فوزي أن يناقش، أو حتى أن يصغي لضيفه بالفعل، ولا يستطيع الشاب، غضّ التجربة حينها، أن يرد على وحش الصحافة المصرية بالحجج الممكنة، ولا يستطيع كذلك أن يرده.

يصعب أن تجد فناناً في موضع مشفق كما عمرو دياب في تلك المقابلة، لكن، في الوقت نفسه، يصعب أن ترى الزمنَ منصفاً كما هو في هذه المقابلة التلفزيونية، ولكن هل على المرء أن ينتظر أربعين عاماً كي ترد له الأيام اعتباره من مقابلة مهينة!

 

في المكان الخطأ

لكن مهلاً؛ هل يعني التعهد الذي فرضته الشركة المنظمة على الصحافيين، مقابل حضورهم الحفل، أن عمرو دياب لم يغفر للصحافة احتقارها وإهاناتها!

فالتعهد استثنائي بالفعل، لم نسمع بمثله إلا في قوانين الجريمة الإلكترونية الصادرة في غير بلد عربي.

يقول نص التعهد: «أتعهد وألتزم، انطلاقاً من قيمة هذا الحفل وأهميته، ولما له من نتائج إيجابية تنعكس على السياحة الفنية في لبنان، بنقل وقائع هذا الحفل بشكل إيجابي، وملتزماً بعدم التصريح أو كتابة أي مقال أو منشور من شأنه الإساءة لقيمة هذا الحفل، أو لشخصية الفنان عمرو دياب أو الشركة المنظمة».

تعهُّد، إن صحَّ، أقل ما يقال فيه إنه عار حقاً على الفنان المصري. وما دمنا لم نجد توضيحاً أو اعتذاراً من الفنان عما حصل، فيبدو أن قد ارتُكب بالفعل. ولو أننا نرجح أن تكون الشركة المنظمة مع شركائها اللبنانيين وراء توريط عمرو دياب.
الصحافة، يا عمرو، ليست مفيد فوزي، ومَن وجّهَ تلك الإهانة القديمة ليس خصوصاً هؤلاء الذين اهتموا بحضور حفلك، وبالتالي لا يستحقون الانتقام.

إن صح التعهد فأنت تثأر في المكان الخطأ.

لا أعرف بالضبط ماذا يقصد مفيد أبو الغار بـ«عطر التاريخ» و«لون السنين»، لكني وجدت أداء جميل راتب أكثر فداحة من كلماته الإنشائية، انفعالاته المبالغ بها، قبضة يده…

 

«الراية البيضا»

هذه مشاهد تمثيلية متداولة أيضاً بكثرة من مسلسل مصري شهير يحمل اسم «الراية البيضا» (لأسامة أنور عكاشة ومحمد فاضل). شاهدت المسلسل في حينه، لم أفوّت منه مشهداً في تلك الأيام، وأحسب أن هذا شأن جماهير الأمة. وددت استعادة شيء من جمال العمل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كان المشهد يدور في بيت صاحب الفيلا مفيد أبو الغار (الفنان جميل راتب)، والنقاش دائر مع مجموعة من الشخصيات بخصوص التمسك بالفيلا التاريخية، أو تسليمها لفضة المعداوي (الممثلة سناء جميل).

الدكتور مفيد أبو الغار ليس صاحب الفيلا فقط، إنه حارسها، فهي كناية عن مصر، غير القابلة للبيع. والنقاش موزع بطريقة مسرحية، لكن من ذلك النوع الأقرب إلى الخطابة والإنشاء، مقابل تخاذل صريح. ستستعرض الآراء على نحو شبه مدرسي. مُشاهد تلك الأيام كان يمتلئ بالفخر والتحدي حين يسمع الخطابات المجلجلة لأبو الغار ورفاقه.

بيقوم بدور نابليون بونابرت أو جنكيز خان، وبيقلده كويس، لكن مش ح يكون هوّا. روح الزمن، عطر التاريخ، لون السنين والأيام المرسوم عالحيطان أجيبه منين!» .

لا أعرف بالضبط ماذا يقصد الدكتور بـ «عطر التاريخ» و«لون السنين»، لكني وجدت أداء جميل راتب هنا أكثر فداحة من كلماته الإنشائية، انفعالاته المبالغ بها، قبضة يده.

بصراحة، لم أكن مهتماً تماماً بالمستوى الفني للمسلسل، إنما خجلت من مشاعر ذلك الزمن، وكيف استطاعت هذه المشاهد الساذجة أن تشد إليها الجماهير العريضة.

 

 

 

 

 

 

* كاتب من أسرة تحرير «القدس العربي»

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى