كيف تنظر إسرائيل إلى تطورات المشهد في سوريا؟ …
لا تزال مسيرة الأحداث الدراماتيكية التي تشهدها الساحة السورية تثير قلقاً وترقباً على المستويين الإقليمي والدولي معاً، إذ مثل مباغتة فصائل المعارضة السورية المسلحة وعلى رأسها هيئة “تحرير الشام” إحدى أذرع تنظيم “القاعدة” سابقاً، لقوات الحكومة السورية والفصائل المتحالفة معها، في مناطق جغرافية واسعة من بينها مدينة حلب (ثاني كبرى مدن البلاد)، تحولاً غير مسبوق في عمر الصراع في سوريا منذ أكثر من عقد من الزمان.
وأمام تعقد وتشابك المشهد السوري، استدعي توقيت عودة تفجر الصراع الذي بقي مجمداً تقريباً منذ عام 2020، الأسئلة حول موقف إسرائيل التي تشن حرباً تجاوزت العام ضد ما تسميه “محور إيران وأذرعها” في المنطقة، والتي من بينها نظام الرئيس السوري بشار الأسد، أحد أبرز الحلفاء لطهران، وتتهمه تل أبيب بتسهيل مرور الأسلحة والعتاد العسكري إلى “حزب الله” اللبناني.
هل تدعم تل أبيب التحرك المسلح الداخلي ضد قوات النظام السوري وحلفائه، وماذا عن احتمالات تمدد “هيئة تحرير الشام” التي كانت سابقاً جزءاً من تنظيم “القاعدة” قبل أن تعلن الانفصال عنه، أم إن بقاء النظام السوري في ظل وجود حليفه الإيراني رغم عدائه لتل أبيب يبقى أقل خطراً مما تمثله فصائل المعارضة المسلحة على الساحة السورية بالنسبة لها؟ أسئلة كثيرة عجت بها الصحف الإسرائيلية على مدار الأيام الماضية، بحثاً عن إجابة في ظل التحولات الدراماتيكية التي تشهدها الساحة السورية.
معركة خاطفة أم حرب طويلة؟
من بين الأسئلة التي ركزت عليها الصحافة الإسرائيلية، كانت الغوص في تقييم طبيعة جولة الصراع الراهنة التي أطلقتها فصائل المعارضة، وتمكنها اللافت من السيطرة على حلب وكامل محافظة إدلب، واستمرار تقدمها نحو حماة.
وتحت عنوان “هل هجوم حلب سيطرة على مناطق جديدة أم مجرد معركة محلية محدودة؟”، ناقش، زفي بارئيل، في تحليل له بصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، جولة الصراع الراهنة بين المعارضة والجيش السوري، معتبراً أن الهجوم الذي شنته “هيئة تحرير الشام” على مدينة حلب السورية والاستيلاء على معظم المدينة قد يغير ليس فقط مدى سيطرة بشار الأسد على سوريا، بل ويولد أيضاً عمليات من شأنها أن ترسم خريطة سياسية جديدة على الحدود الشرقية لإسرائيل.
بحسب بارئيل، يبقى السؤال الحاسم الآن بالنسبة لإسرائيل، هو ما إذا كانت روسيا وإيران ستعززان قواتهما في سوريا من أجل مساعدة الأسد في استعادة حلب ودفع المتمردين إلى الوراء، موضحاً أن “طهران وموسكو، اللتين هاجمتا عدة أهداف للمتمردين من الجو، اكتفيتا بالتعبير عن القلق والدعوة إلى الهدوء، ولكن الضرر الاستراتيجي الذي لحق بهما، وليس فقط بالأسد، سيتطلب رداً عملياً على الأرض”.
وذكر بارئيل، أنه وعلى رغم سيطرة “المتمردين المسلحين” على حلب، فإن الترقب لا يزال سيد الموقف لما ستؤول إليه الأمور في ثاني كبرى مدن البلاد، التي كانت تحت سيطرة الأسد منذ عام 2016، مشيراً إلى أنه على رغم أن توقيت الهجوم كان “مفاجئاً”، فإن الاستعدادات له كانت ملحوظة على الأرض منذ أسابيع، بل وحتى أشهر، إذ أشارت تقارير عدة إلى “وجود إعادة تنظيم وتغييرات هيكلية في قيادة الوحدات القتالية، فضلاً عن القلق المتزايد بين قادة تنظيم المعارضة وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، فضلاً عن الأكراد في شمال سوريا، في ظل التحقيقات التركية الرامية إلى تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا”، موضحاً أن “هذه التطورات الإقليمية والدولية أعطت دفعة لتوقيت الهجوم. ويبدو أنه ليس من قبيل المصادفة أن الهجوم بدأ في وقت قريب من بدء وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، مما دفع قيادة المنظمة إلى الاستنتاج بأن نافذة الفرصة قد انفتحت، خصوصاً مع تقلص قدرة حزب الله على التحرك بحرية بين لبنان وسوريا”.
وإلى جانب وضع “حزب الله” اللبناني العسكري، يضيف الكاتب، أنه “جراء الضربات المتوالية الإسرائيلية لأهداف إيرانية في سوريا على مدار العام الماضي، زاد الوعي لدى الفصائل المسلحة بأن الوجود الإيراني في سوريا قد ضعف، إذ تسببت الهجمات الإسرائيلية في دفع الحرس الثوري إلى تقليص عدد القواعد في وسط وغرب سوريا، فضلاً عن تقليص عدد القادة والجنود السوريين والأفغان الذين جندوا في الميليشيات الموالية لإيران”.
في السياق ذاته، ناقش يارون فريدمان الباحث والمحاضر في قسم الدراسات الشرق أوسطية والإسلامية بجامعة حيفا، بصحيفة “معاريف” الإسرائيلية، التأثير المحتمل للتغيرات المستقبلية في الخريطة السياسية السورية لمصلحة المعارضة على إسرائيل، والعوامل التي قادت إلى التدهور السريع للوضع العسكري للنظام السوري.
فبحسب فريدمان، كان أحد العوامل الحاسمة في تدهور الوضع العسكري للقوات السورية، هو تراجع دور حزب الله في البلاد، وذلك جراء الحرب بين الحزب وإسرائيل، التي أجبرت الحزب على سحب قواته للتركيز على الجبهة اللبنانية، مما مثل في النهاية فراغاً كبيراً في الجبهة العسكرية للقوات الحكومية السورية.
وذكر فريدمان، كانت “قوات حزب الله قد حلت محل الجنود السوريين من أصول سنية الذين انشقوا عن الجيش طوال السنوات الأولى من عمر الصراع، وقد أدى غيابهم إلى إضعاف النظام السوري”، مضيفاً “إلى جانب ذلك قاد التراجع الكبير في الدعم العسكري الروسي، بسبب انشغال موسكو بحرب أوكرانيا إلى تقليص تدخله العسكري في سوريا”، مما جعل النظام السوري أكثر عرضة للهجمات.
ويحاول فريدمان قراءة، موقف القوات السورية التي رأى أنها “وقعت في فخ التصور الخطأ بأن الحرب في البلاد انتهت لصالحها”، قائلاً “نتيجة لهذا التصور الخطأ فوجئ الجيش السوري بهجوم المعارضة على حلب، مما أثر في قدرة النظام على الدفاع عن المدينة”، موضحاً أن من بين أسباب فشل الجيش السوري في التصدي لهجمات المعارضة هو “الاعتقاد الخطأ بأن محافظة إدلب لم تعد تشكل تهديداً جدياً”.
الأسد أم المعارضة؟
أمام احتمالات تغير معادلة الصراع في الساحة السورية لمصلحة فصائل المعارضة، أو حتى استعادة الفصائل المتحالفة مع القوات الحكومية والموالية لطهران، لتموضعها، تبقى الخيارات مثيرة للقلق بالنسبة لإسرائيل، إذ تسعى تل أبيب لقطع طرق الإمداد على “حزب الله” اللبناني وضمان عدم قدرته على الوصول إلى الأسلحة مجدداً سواء عبر الخريطة اللبنانية أو السورية، في المقابل يرى البعض أن مجاورة “فصائل متشددة” للحدود الإسرائيلية ينذر بأخطار مستقبلية على الدولة العبرية، ليتصدر نقاش إسرائيلي حول أقل “الخطرين” تقبلاً بالنسبة لها.
بحسب ما كتبه يارون فريدمان الباحث والمحاضر في قسم الدراسات الشرق أوسطية والإسلامية بجامعة حيفا، بصحيفة “معاريف” الإسرائيلية، فإن إحدى القضايا التي تثير القلق لإسرائيل، “هي الهوية الأيديولوجية للثوار الذين يقاتلون النظام السوري، ففي الهجوم الأخير على حلب، كانت من بين الجماعات التي اجتمعت في غرفة العمليات المشتركة هيئة تحرير الشام”، معتبراً أن هذه الجماعات “تمثل تهديداً ليس فقط للنظام السوري، بل أيضاً للأقليات في المنطقة”.
ويتابع فريدمان، حول تأثير تلك التحولات في الصراع السوري على إسرائيل، قائلاً “ما من شك أن لإسرائيل مصلحة مباشرة في إضعاف الوجود الإيراني في سوريا، مما سيضر بإمدادات الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله اللبناني، فضلاً عن احتمالات إجبار الروس على مغادرة البلاد، لكن السؤال الأبرز الآن يدور حول بدائل النظام المتاحة”.
ويتابع، “يثير احتمال سقوط نظام الأسد مخاوف من نوع آخر، يتمثل في احتمالات وصول فصائل المعارضة المسلحة إلى السلطة، التي تقودها في الأساس جماعات سلفية جهادية قد تخلق تهديداً أكبر على الحدود الإسرائيلية، فضلاً عن أخطار نشوب تنظيمات مماثلة لداعش أو نشوء دولة متطرفة، مما يشكل تهديداً أكبر لإسرائيل مقارنة بالنظام السوري الذي ظل، على رغم من عدائيته، محافظاً على الهدوء في مرتفعات الجولان لمدة 50 عاماً”، مشيراً إلى أن هناك مخاوف في إسرائيل من تعزز عدم الثقة في قدرة النظام على فرض سلطته في مناطق كانت تحت سيطرته في السابق.
ويخلص فريدمان في تحليله إلى أن “احتمالات الإطاحة بالأسد قد تعني بداية عهد جديد من الفوضى وعدم الاستقرار، مع تصاعد القوى التي تهدد مستقبل سوريا وإسرائيل والمنطقة ككل”.
من جانبه كتب المعلق العسكري في صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية رون بن يشاي، يقول إن “الهجمات الإسرائيلية المتكررة ضد الجيش السوري وعناصر حرس الثورة الإيراني والمتحالفين معهم في الأراضي السورية هي التي أوجدت الخلفية لتقدم فصائل المعارضة المسلحة، بعد أن مكنتهم من التحرير من الضغط على الأرض وتنظيم صفوفهم للهجوم ضد القوات السورية”، مشيراً إلى أنه وعلى رغم أن إسرائيل لم تكن تقصد ذلك، فإنها قدمت “الفرصة التي كان ينتظرها الفصائل المسلحة”.
ويرى بن يشاي أن تأثير ما حدث في سوريا خلال التطورات الأخيرة على أمن إسرائيل “سيكون إيجابياً على المدى القصير”، موضحاً أن “القراءة الأولية له تشير إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد لن يسرع في التصعيد مع إسرائيل، وهو في حال ضعف ويفقد السيطرة، كما أنه يعلم أن حزب الله لا يمكنه مساعدته الآن، وإذا أرسل الإيرانيون قوات الحرس الثوري والميليشيات لمساعدته، فمن المحتمل أن تقصفهم إسرائيل جنباً إلى جنب مع قواته، مما سيضعفه أكثر. لذلك، من المرجح أنه لن يسمح بسهولة للإيرانيين بنقل الدعم اللوجيستي لحزب الله اللبناني عبر أراضيه”.
أحمد عبد الحكيم