
لماذا يهتم الشرع بتدوير نفايات نظام بشار الأسد … د. عوض السليمان
ليس للسيد أحمد الشرع أي حق في تسوية أوضاع المجرمين، لا من الناحية القانونية ولا من من الناحية الشرعية، فإن أولياء الدم هم المخولون حصراً بالعفوعن قتلة أوليائهم من عدمه
يلفت نظري إصرار السيد أحمد الشرع، على إعادة تأهيل كثير من عناصر النظام السابق حتى من أولئك الذين تلطخت أيديهم بأعتى الجرائم في سورية وأوغلوا في دماء الأبرياء.
أستطيع أن أفهم أن السيد رئيس الجمهورية يتعرض في بعض الحالات إلى ضغوط شديدة وتدخلات إقليمية وعالمية “مروعة” لتنفيذ رغبات دول محددة لأهداف لا يمكن الخوض فبها في هذه المادة. ولكن المسألة هنا، أن الشرع لا يستطيع أن يأخذ شرعيته إلا من الشعب السوري، وليس من السهل على السوريين، أن يتجاهلوا أو ينسوا أولئك الذين استمتعوا بتقتيلهم وأبناءَهم وتفننوا بتعذيبهم وتقطيع أوصالهم.
من المتفق عليه، أنه ليس للسيد أحمد الشرع أي حق في تسوية أوضاع المجرمين، لا من الناحية القانونية ولا من من الناحية الشرعية، فإن أولياء الدم هم المخولون حصراً بالعفوعن قتلة أوليائهم من عدمه.
وعليه فإن الحكومة السورية لا تستطيع عقد مثل هذه المصالحات المشينة، دون الرجوع إلى أصحاب القضية أنفسهم، وإن رأت الاستفادة من مثل هذه التسويات فعلاً، فعليها أن تعود إلى أصحاب الحل والعقد وأولياء الدم لإقناعهم بها، وليس لشخص رئيس الجمهورية وحكومته فرض ذلك على الناس أو تمريره بطريقة مريبة.
لا أعلم إن كانت الحكومة السورية تلاحظ أن الشعوب لا تهدأ ولا تنسى، وأن ما تقوم به اليوم من تسويات، سيؤدي إلى حالات انتقام عنيفة في المستقبل، وخارج إطار القانون، وهو ما سيغرق سورية في الفوضى الأبدية.
لم نفهم على الإطلاق كيف صالحت الحكومة السورية طلال مخلوف، وإن كان السوريون قد صمتوا بعد تلك القصة المعيبة، فإنهم اليوم مصدومون من عقد اتفاق مع فادي صقر مهندس مجزرة التضامن، التي تلذذ “صقر” من خلالها بتغطية أعين الضحايا وإطلاق النار عليهم ثم دفنهم جماعياً تحت شوارع ومباني الحي الدمشقي المنكوب حتى اليوم.
المظاهرات التي رأيناها، ورآها الشرع، في التضامن، أقلّ تعبير عما يجول في خاطر الناس، ولئن أهملت الحكومة السورية حق المتضررين في الاقتصاص من هذا المجرم، فإنهم سيجردون هذه الحكومة من شرعيتها، ولربما يقفون ضدها بشكل مباشر.
الأنكى، أن تقاريرَ دولية عديدة، أشارت إلى أن الحكومة السورية لم تصالح “صقر” قائد ميلشيا الدفاع الوطني على جرائمه فحسب، بل وتركت له الأموال الطائلة التي اغتصبها من عرق السوريين في ريف دمشق خصوصاً، كما سمحت له بالظهور في حي التضامن حيث قتل ضحاياه بكل وحشية، وتجول فيه واستفز أهله.
الحق أنني لا أستطيع أن أفهم المغزى من أفعال الحكومة السورية هذه، ولا أستطيع أن أفهم كيف تكون رؤيتها قاصرة عن فهم النتائج المخيفة التي ستترتب على مثل هذه المصالحات.
لا يعقل أن تقوم الثورة بهدف التخلص من نفايات النظام السابق، وتحقيق العدل والانتصار للمظلومين، ثم تعود للتصالح مع تلك النفايات وتدويرها من جديد ومنحها المناصب في الدولة، كما فعلَتْ مع نزار صدقني الذي تم تعيينه معاون وزير العدل، وهو أحد أذرع النظام المخلوع. وكذلك الصمت عن طلال العيسمي صاحب مجزرة العمري في درعا. بل إن الحكومة الجديدة لم تغير حتى اليوم سفراء الأسد في دول العالم المختلفة.
لعلنا مخطئون في تحليلنا هذا، ونحن لا ندعي المعرفة التامة بما يجري، وإن كنا كذلك، فإن على السيد رئيس الجمهورية، أن يقدم للأمة شروحاً وتفاسير لهذه التسويات شديدة المرارة والخطورة على المجتمع السوري، وأن يدرك تماماً أن مثل هذه التسويات قد يدخل المجتمع السوي كله فيما لا تحمد عقباه. اللهم قد بلغت