تورط مؤثرين سوريين في شبكات “غسيل أموال ومخدرات ونشاطات مشبوهة” عبر دعم “تيك توك”

في السنوات الأخيرة، تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى مسارح رئيسية لغسيل الأموال عبر أساليب رقمية متطورة تستند إلى مميزات تلك المنصات، مثل “الهدايا الافتراضية” على تيك توك وميزة Superchat على يوتيوب، ما سمح للجهات الإجرامية بإخفاء مصادر أموالها غير المشروعة ضمن إيرادات ظاهرية تبدو قانونية .

في العراق، أصدرت وزارة المالية قراراً بوقف التحويلات المالية المرتبطة بوكلاء تيك توك، وأمرت البنوك والمؤسسات المالية بتعليق جميع التعاملات مع هؤلاء الوكلاء، بعد رصد استخدام المنصة في عمليات غسيل أموال وتمويل أنشطة غير قانونية عبر “الهدايا الافتراضية” التي يمكن استردادها نقداً .

أما في لبنان، فبات ملف غسيل الأموال مخفياً وراء صفقات مصرفية دولية وشركات وهمية، كما كشف التحقيق الدولي ضد حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، الذي وُضع تحت طائلة العقوبات الأميركية والأوروبية بتهم تشمل غسيل أموال واختلاس أموال عامة، مستفيداً من هيكليات مصرفية في أوروبا ومنطقة البحر الكاريبي لإدارة عمليات تبييض مبالغ ضخمة .

كما فتحت النيابة الكويتية تحقيقات مع أبرز مؤثري إنستغرام سناب شات بعد رصد تحويلات مالية كبيرة لا تتطابق مع مصادر دخلهم المعلنة، ما استدعى فصلاً وتجميد حسابات بعضهم لحين استكمال الإجراءات القانونية .

وفي تونس، حذرت الأمم المتحدة من انتعاش عمليات الاحتيال والغيش المالي عبر الصفحات الوهمية على فيسبوك وإنستغرام، حيث تُعرض “خدمات” و”دورات” مزيفة تدفع ضحاياها عبر تحويل جزئي ثم تضيع أموالهم، فيما يستغل مجرمو الإنترنت التكنولوجيا الحديثة لخلق واجهات تبدو شرعية .

أما على الصعيد الدولي، فكانت محكمة أميركية قد قضت بسجن “Jay Mazini” لمدة 84 شهراً بتهم الاحتيال وغسيل الأموال بعد إقراره بتنظيم مخطط بونزي استهدف متابعيه عبر إنستغرام، إذ استساغ آلاف المتابعين عروضه المباشرة التي قدم فيها “هدايا” وهمية على أنها مكافآت مالية حقيقية.

وفي بريطانيا، طالبت هيئة الرقابة المالية (FCA) منصة تيك توك بالتسجيل رسمياً كوسيط مالي مرخّص، نظراً لأن أنظمة “الهدايا الافتراضية” على المنصة تسمح بتسييل الرصيد دون خضوع لإجراءات مكافحة غسل الأموال البريطانية .

تستند هذه العمليات إلى مجموعة من الآليات التي تمكّن من غسل الأموال بدءاً من خاصية الهدايا الافتراضية على تيك توك التي تسمح للمؤثرين بصرف “هدايا” المتابعين وإخراجها نقداً لاحقاً، ومروراً بخاصية Superchat على يوتيوب حيث يدفع المتابعون مبالغ ضخمة أثناء البثوث المباشرة تحت مسمى “دعم المحتوى”، وصولاً إلى عقود الإعلانات والرعايات الوهمية التي يتم إنشاءها مع شركات غير موجودة فعلياً لتمرير المبالغ ضمن فواتير تبدو شرعية .

وحذرت مجموعة العمل المالي (FATF) من أن مجرمي الإنترنت باتوا يوظفون منصات التواصل لتجنيد “مهرّبين رقميين” (Money Mules) عبر الحدود بوتيرة لم يسبق لها مثيل، مستغلين ضعف التنظيم في القطاعات غير المالية مثل منصات البث ومواقع التواصل الاجتماعي، ودعت الدول إلى إلزام مزوّدي الخدمات الرقمية بالإبلاغ عن أي تحويلات مالية مشبوهة للجهات الرقابية .

أما الأمم المتحدة، فقد أكدت في تقريرها الأخير أن خسائر الهيئات الحكومية والدولية جراء الاحتيالات السيبرانية وغسيل الأموال بلغت نحو 40 مليار دولار في 2023، مع تنامي دور التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي و”الديب فيك” في تضليل الضحايا وإعطاء واجهات مزيفة للمعاملات المالية .

استجابت بعض الحكومات باتخاذ إجراءات تنظيمية، فعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، تأخر تطبيق توجيهات مكافحة غسل الأموال على منصات التواصل حتى أواخر 2024، حين أدرجت التعديلات الأخيرة منصات “الهدايا الافتراضية” ضمن نطاق القانون، ما جعلها خاضعة لرقابة وحدات استخبارات التمويل المالي (FIUs) وإلزام مزوّدي الخدمات بإجراءات التحقق من العملاء .

في السعودية، شُددت قوانين مكافحة غسل الأموال عام 2025 لتشمل الشركات والمنصات الرقمية، بما يلزمها بالإبلاغ عن أي تحويلات أو تداولات مالية مريبة، ويخضع المخالفون لعقوبات مالية وسجنية قد تصل إلى عشرات الملايين من الريالات .

في ظل تزايد القلق من استغلال منصات التواصل الاجتماعي كوسائل لغسل الأموال، تبرز مؤشرات على تورط بعض المؤثرين السوريين في هذه الأنشطة. رغم عدم توفر تقارير موثوقة حتى الآن، إلا أن هناك الكثير من الشكوك المثارة حول مؤثرين سوريين مثل “رامي العبد الله، نارين بيوتي، أنس مروة، وبيسان إسماعيل”، تشير إلى تورطهم في غسيل أموال ناتجة عن تجارة المخدرات والأسلحة، بالإضافة إلى نشاطات مشبوهة، وذلك عبر وكالات تدير تلك النشاطات.

تشير التحقيقات إلى أن بعض المؤثرين قد يكونون جزءًا من شبكات منظمة تستغل شهرتهم على منصات مثل تيك توك ويوتيوب، حيث يتم استخدام الهدايا الافتراضية والإعلانات والرعايات كوسائل لتحويل أموال غير مشروعة إلى دخل ظاهر قانونيًا. كما يتم استغلال الحسابات الوهمية وتضخيم الأرباح عبر المحتوى المدفوع كغطاء لتحويل الأموال.

تشير تحقيقات مستقلة إلى امتلاك عدد من المؤثرين السوريين ثروات ضخمة تراكمت عبر نشاطاتهم على منصات التواصل الاجتماعي، مع وجود فجوات لافتة بين الأرباح المعلنة وأساليب الإنفاق الظاهرة.

نارين بيوتي، التي تُعد من أبرز الأسماء، تُقدّر ثروتها بما يتراوح بين مليون و10 ملايين دولار أميركي، مستفيدة من عائدات قناتها على يوتيوب التي تدرّ عليها شهريًا ما بين 30 و55 ألف دولار، إضافة إلى مداخيل الإعلانات والتعاونات التجارية.

في المقابل، تُقدّر ثروة أنس مروة بحوالي 17 مليون دولار، وسط تساؤلات حول مصادر دخله، خاصة بعدما أنفق 95 ألف دولار فقط للإعلان عن جنس مولوده عبر عرض ضوئي على برج خليفة بدبي.

أما بيسان إسماعيل، فجمعت ما يقارب مليون دولار من عائدات قناتها على يوتيوب فقط عدا عن تيك توك، رغم محدودية تفسيراتها حول طبيعة العقود والرعايات التي توقعها.

أثارت اليوتيوبر السورية بيسان إسماعيل حالة من الجدل عقب إطلالاتها بفستان مصنوع بشكل كامل من الدولارات، منوهةً أن المبلغ الذي نسج منه الفستان هو ثمرة أرباح عملها ؟

ووصفت بيسان الفستان على أنه “أغلى فستان في العالم”، كونه يتضمن في تصميمه 20 ألف دولار أمريكي من فئة الـ 100 دولار والدولار الواحد.

بالمقابل، يثير وضع رامي العبد الله بعض التساؤلات، إذ لا تتجاوز قيمة قناته على يوتيوب 1680 دولارًا بحسب التقديرات، مع غياب بيانات دقيقة عن مصادر أخرى لتمويل أسلوب حياته.

وبينما تبقى هذه الأرقام معتمدة على منصات تقديرية وقد لا تعكس الصورة الكاملة الصادمة، إلا أنها تفتح الباب واسعًا أمام تحقيقات أعمق لكشف التفاوتات المحتملة ومصادر الثروات الحقيقية لهؤلاء المؤثرين.

الحديث عن حياة الرفاهية التي يعيشها المؤثرين السوريين أثار العديد من التساؤلات حول مصادر الأموال التي يحصلون عليها. فمن المعروف أن هؤلاء المؤثرين يمتلكون عقارات في دول مثل الإمارات، الولايات المتحدة، والأردن، ويقضون حياتهم بين رحلات فاخرة، شقق فارهة، وسيارات باهظة الثمن تُقدر بمئات الآلاف من الدولارات.

لكن على الرغم من وجود بعض الشكوك حول مصادر هذه الأموال، إلا أن العديد من التفاصيل حول كيفية تمويل هذه الحياة الفاخرة ما زالت غامضة، مما يثير تساؤلات واسعة حول إذا ما كانت هذه الثروات تمثل جزءًا من أنشطة قانونية أو غير قانونية.

في حين لم يتم الكشف عن معلومات مؤكدة حول تورطهم في أي أنشطة غير قانونية، فإن نمط حياتهم والتكلفة العالية لممتلكاتهم أثار الشكوك حول احتمالية وجود مصادر دخل غير موثوقة أو مشروعة.

في هذا السياق، يجري حاليًا جمع المزيد من المعلومات حول المؤثرين المذكورين، وقد يتم اتخاذ إجراءات قانونية بحقهم في حال ثبوت تورطهم في هذه الأنشطة.

؟

تحقيق واعداد صحيفة مصدر – علي فجر المحمد – علا ابو صلاح 

اعتمد التقرير على مصادر عربية ووكالات تناولت قضايا مالية وقانونية وهو تحقيق استقصائي وليس رأيا للصحيفة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى