هل أنت صحفي؟ سؤال يهز هوية المهنة في دمشق … سامر العاني

فاجأتني موظفة اتحاد الصحفيين بسؤال عبقري لم أكن مستعدًّا له، وأنا الذي أتقنت طوال سنواتٍ مضت فنّ التحضير لأيّ سؤالٍ محتمل قبل أيّ لقاء، خصوصًا التلفزيوني منها، لكن سؤالها هذا تخطّى حدود مقدرتي على التوقّع، حتى ليُخيَّل إليّ أنّ ليلى عبد اللطيف نفسها كانت ستعجز عن التكهّن به.

بعد سيلٍ من الأسئلة التي أجبت عنها كما لو أنّني طالبٌ نجيب يقف أمام لجنة امتحان، وقفت أمامها كمتّهمٍ بريء أمام قاضي تحقيقٍ لا يسمح له بالجلوس ولا يعرف عبارة “تفضّل بالجلوس”، فإذا بها تطلق السؤال المعجزة: “هل أنت صحفي؟”

لم أجب، فبحسب علمي يحقّ لي في الاستجوابات ألّا أجيب إلا بحضور المحامي. خرجتُ من المكتب، ولم أستلم بطاقتي الصحفية التي لم تصدر بعد، رغم مرور أشهرٍ على تسجيلي الإلكتروني، ولم يكن ذلك هو المهمّ، بل السؤال ذاته الذي بقي يطنّ في رأسي: هل أنا فعلًا صحفي؟!

لم أحتمل الانتظار حتى أصل إلى البيت، فضولي المهني يمنعني من النوم إذا مرّت أمامي قصّة دون أن أعرف خيوطها.
جلستُ في السيارة أفتّش بين مئات التقارير التي تحمل اسمي، في تلفزيون سوريا وموقع المدن والعربي الجديد وTRT، أطابق بينها وبين ما هو مكتوب على جواز سفري، نعم، هذا هو أنا. ثم نظرتُ في المرآة الخلفية محاولًا المقارنة بين وجهي في آلاف الدقائق من اللقاءات التلفزيونية ووجهي المنعكس في المرآة، نعم، هذا أنا فعلًا.

منذ عودتي إلى دمشق بعد تحريرها، اعتدتُ على الكثير مما لم أعتد عليه: البيروقراطية القاتلة في الدوائر الرسمية، المتسوّلة التي تنتظرني أمام المطعم لتأخذ سندويشتي، الصبي المشاغب الذي يحمل قارورة ماءٍ وممسحة ويقف عند إشارة المرور ليجلطني بإعادة تنظيف الزجاج بعد خروجي من مغسلة السيارات، وشرطي المرور الذي أطال لحيّته حديثًا ويبدو أن مزاجه يقرّر من يُسمح له بالوقوف في نسقٍ ثانٍ ومن لا يُسمح له بذلك.

اعتدتُ كلّ ذلك، لكنّني لم أعتد سماع سؤالٍ إجابته بديهية. تخيّل أن تقول لأحدهم إنّ فلانة رزقها الله بمولود، فيسألك: “هل كانت حاملًا؟”

“هل أنت صحفي؟” كادت الإجابة تدفعني للعودة إلى المكتب فقط لأقول لها: “لا، أنا عاملُ التنظيفات… هل يحتاج هذا المكان إلى تنظيف؟”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى