
من “حديقة الشعب” إلى “بوليفارد النصر”.. ما الرؤية الاستراتيجية لإعمار حمص؟
كثر الحديث عمّا يُسمّى مشروع “بوليفارد النصر” في مدينة حمص، والذي لا يعدّ حتى اليوم سوى إعلانات طرقية وصور نُشرت من قبل شركة “العُمران للتطوير العمراني” الكويتية خلال الشهر الحالي، تُظهر مشروعاً سيدخل حيز التنفيذ في حي القرابيص، علماً أن معرفات الشركة لم تُعلن أيّ تفاصيل، كما أنّ الجهات الحكومية السورية لم تنشر أي شيء رسمي، ما أثار مخاوف أصحاب العقارات.
في وقت تشهد حمص، كغيرها من المدن السورية، أزمة سكن خانقة منعت الكثير من المهجّرين من العودة إليها، تزداد الاستفسارات لدى سكان حمص، ويحاول هذا التقرير لموقع تلفزيون سوريا أن يُجيب عن معظمها من خلال لقاء مع رئيس مجلس مدينة حمص، مصعب عبد الرحمن السلومي، لطمأنة الأهالي بشأن بعض هواجسهم.
المشروع استكمال لـ”حلم حمص الكبير”
بمتابعة تاريخ هذا المشروع، نجد أنه مشروع قديم حاول كثيرون إحياءه، وفقاً للناشط السياسي سارية جنيدي، الذي قال لموقع تلفزيون سوريا: “في ثمانينيات القرن الماضي، قام نظام حافظ الأسد باغتصاب أملاك أبناء حمص تحت ذريعة الاستملاك، وسُمّي المشروع حينها (حديقة الشعب)، ونجح في تسعينيات القرن الماضي بالحجز على الأملاك في بساتين القرابيص الممتدة من الكورنيش حتى نهر العاصي في منطقة الميماس”.
وتابع جنيدي أن إياد غزال، محافظ حمص السابق في عهد بشار الأسد عام 2005، أعاد الحياة للمشروع تحت اسم “حُلم حمص الكبير”، فخرج أهالي حمص في مظاهرات كلّ يوم جمعة تُطالب بإلغاء المشروع وإعادة الحقوق المغتصبة لأصحابها، وقُوبلت المظاهرات بالقمع، ووُجّهت في كثير من الأحيان بإطلاق النار الحي، وظلّت مستمرة حتى انطلاق الثورة السورية عام 2011، لتتحوّل حينها إلى مطالب بإسقاط المحافظ، ومن ثمّ إسقاط النظام، بعد تعنّت حكومة بشار الأسد.
يتساءل سارية جنيدي: “إن أبناء حمص انتظروا انتصار الثورة ليعود الحق لأهله، “فكيف تراهن الحكومة اليوم على تطبيق قوانين ظالمة استهدفت اغتصاب حقوق مواطنين أصليين؟”.
بدوره، اعتبر الناشط السياسي عبد الرحمن عبّارة، وهو صاحب أرض في شارع نزار قباني مطلّة على حي القرابيص، أن أيّ مشروع استثماري سواء كان خدمياً أو سكنياً هو “في صالح حمص وأبنائها”، وأوضح لموقع تلفزيون سوريا، أنه من حيث المبدأ لا مشكلة في تنفيذ مشاريع كانت بدايتها في عهد النظام البائد (مثل بوليفارد حمص كجزء من مشروع حلم حمص)، إذا كان ذلك يتوافق مع رؤية سوريا الحرة المتطورة والحديثة.
واستدرك عبّارة قائلاً: لكن على أن تكون مستوفية الشروط المهنية وتكون جزءاً من الخطوط العامة الموضوعية للهوية العامة لمدينة حمص، التي تحتاج إلى مخططات عمرانية حديثة تُحاكي بها معظم دول الجوار في تطورها واستغلالها للمساحات.
وأردف أن مدينة حمص مخططاتها قديمة كحال بقية المدن السورية، وشوارعها لا تراعي الازدياد السكاني، لذا تحتاج إلى مخططات تعتمد هوية بصرية وسكانية جديدة، وتراعي زيادة سكانية لمئتي عام على الأقل.
وأشار عبّارة إلى أن تلك المشاريع، قبل البدء بها، تحتاج القوانين والتشريعات السورية إلى جملة من الإصلاحات في شكلها وموضوعها، عدا عن ضرورة تحديث معايير البناء الآمنة والمقاومة للزلازل على غرار الجارة تركيا.
ووصف المشروع بأنه “سيكون له أثر إيجابي على اقتصاد المدينة”، لكن ثمّة عوائق قانونية تتعلّق بشريحة من ملاك الأراضي والعقارات الذين لم يحصلوا على أيّ تعويضات، وبعضهم لم يكن يعلم أصلاً أن هناك مشروعاً استثمارياً سيُقام على ممتلكاته.
وأفاد عبّارة بأن “تأخر الجهات المعنية في نشر نسخ عن العقود الموقعة مع الجهة الاستثمارية لفهم طبيعة الاستثمار، وحدوده، ونسخ عن المخططات النهائية” من الأسباب التي خلقت مخاوف وشائعات كنّا بغنى عنها.
وعن تجربة عبد الرحمن عبّارة، قال: “قيل لنا عبر مسؤولين في محافظة حمص إن هناك لجاناً مُشكّلة للنظر في تعويض المالكين الذين لم يستلموا أي تعويض سابق، وإلى الآن لم يتم التواصل مع أحد منهم”.
وأوضح أن كل مالك لم يستلم التعويض سابقاً، ما يزال العقار باسمه في قيود السجل العقاري وليس باسم البلدية، وآخر قيد عقاري تم توثيقه وختمه من السجل العقاري بأسماء المالكين والورثة وتوزيع الأسهم لعائلة عبّارة كان بتاريخ 24/06/2025.
ونوّه عبّارة إلى أن الاستملاك للمنفعة العامة يختلف عن الاستملاك لتحويل العقار للمنفعة الخاصة، والتعويض مختلف أيضاً، مضيفاً أنه توجد مواقع شبيهة جميلة وأكثر اتساعاً، والشوارع حولها تتحمّل زيادة المركبات جراء المشروع، مثل موقع المستشفى العسكري في حي الوعر وغيره.
وأكد أن الموقع الحالي لا مشكلة فيه إذا لبّى الشروط الموضوعية لزيادة السكان وتوسيع الشوارع المحيطة به، مع التعويض بالسعر الحقيقي أو إعطاء أسهم بالمشروع أو أي صيغة أخرى تكفل الحقوق المادية بأسعار اليوم، معرباً عن ثقته برؤية محافظ حمص الدكتور عبد الرحمن الأعمى، قائلاً: “نحن معه في رؤيته، وهو مع حقوق المالكين، والشفافية مطلوبة لتبديد المخاوف والشائعات”.
ويرى عبد الرحمن عبّارة أن المساحات المدمّرة في حمص تحتاج فقط إلى إعادة تنظيم وفرز جديد، بحيث يصبح المالك السابق إما مساهماً أو يحق له بيع حصته وله حرية التصرف، وهي أولوية لإنهاء شعور الضياع والخوف من المستقبل الذي يعاني منه عشرات الآلاف من العوائل النازحة شمالي سوريا أو اللاجئة في دول الجوار.
“بوليفارد النصر” في حمص … مشروع استثماري على أرض متنازع عليها
بوليفارد حمص : مشروع مبدئي
عن مشروع بوليفارد حمص، أفاد رئيس مجلس مدينة حمص، مصعب عبد الرحمن السلومي، لموقع تلفزيون سوريا، بأن عملية الدراسة المبدئية للمشروع تمّت وأُعلن عنه كمشروع مبدئي، وسيتم إعادة دراسة وهيكلة المخططات بالكامل حسب الملكيات العامة والملكيات الخاصة، وسيكون تنفيذ المشروع على مراحل متعددة، يبدأ من حي القرابيص وينتهي عند آخر الأحياء المدمّرة بالتتابع ليستفيد منه كامل الأهالي العائدين.
وحول الانتقادات بأن المشروع يستهدف فئات ميسورة ويُقصي السكان الأصليين لأحياء متضررة، قال المسؤول الحكومي: “بالعكس تماماً، فإن المشروع يستهدف الفئات المتضررة، وعملياً سيتم البدء من الأحياء المدمّرة، ونقطة البدء من حديقة النصر، حيث سيتم نقل الأهالي إلى الأبنية الجديدة كدفعة أولى، وهكذا بالتتابع ليشمل السكن كافة السكان المتضررين”.
فيما يخصّ تعويض أصحاب العقارات التي يشملها مشروع بوليفارد، أكد السلومي، حسب المعلومات الواردة من مكتب الاستملاك، أن أغلب مالكي العقارات تم تعويضهم عن الأراضي المستملكة، وجزء منهم تعويضاتهم محوّلة عن طريق البنك ولم يتم استلامها من أصحاب العقارات، لكن الإشكالية ليست فقط في التعويض، إنما في ما إذا كانت حديقة النصر ستُحوّل من حديقة إلى بناء كما تم التداول بين الأهالي، “نحن نطمئن الأهالي بأن الحديقة ستبقى كما هي متنفساً لأهالي مدينة حمص”.
الرؤية الاستراتيجية لإعمار حمص
أوضح رئيس مجلس مدينة حمص، مصعب عبد الرحمن السلومي، أن الرؤية الاستراتيجية التي تتبناها الحكومة لإعادة إعمار حمص، “هي إعادة جميع النازحين والمهجّرين إلى منازلهم بعد إعادة بنائها وتسليمها إلى مالكيها دون تكليفهم بأي مبالغ”، مشيراً إلى أن الأولوية ستكون للمنازل الأكثر تضرراً ثم الأقل تضرراً، وعملياً تم وضع خطط وننتظر تمويل الحكومة والجهات الداعمة على الأرض.
وأشار المسؤول الحكومي إلى أن أيّ مشروع سيتم طرحه لإعادة الإعمار سيتضمن مخططات للبنى التحتية كاملة كأولوية، لكن حتى الآن لم يتم تنفيذ مشاريع على مستوى عالٍ، وحالياً تتم إعادة هيكلة القوانين فيما يخصّ ضبط المشاريع.
وحول خطط توسيع مشاريع الإسكان الاجتماعي في حمص، ذكر رئيس مجلس المدينة أن العمل ينقسم إلى جهتين: مديرية الإسكان، وهي تعمل حالياً على الأرض، والجمعيات السكنية التي يتم تشجيعها لإعادة تفعيلها كونها تخفف عن المواطنين بالأقساط والأسعار المخفضة.
وشدّد السلومي على أنهم في مجلس المدينة يشجعون على مبادرات السكن الشعبي أو الإيجار المدعوم للفئات الضعيفة، منوهاً إلى أنهم لم يتلقوا أي مبادرة بهذا الشأن، “نأمل ذلك من الجهات الداعمة”، حسبما قال.
واقع الإيجارات السكنية في حمص
حول أزمة الإيجارات السكنية، قال رئيس مجلس مدينة حمص: “بالمقارنة بين إحصائيات عقود الإيجار التي تمّت في النصف الأول من العام 2024 والنصف الأول من العام 2025، يتبين أن عدد العقود لم يتراجع”، مؤكداً أن تحديد بدل الإيجار يخضع لإرادة طرفي العقد بالاتفاق، فلا توجد قوانين ناظمة لسوق الإيجارات في حمص، بل يوجد قانون لتنظيم وتوثيق عقود الإيجار، ومجلس المدينة ما يزال يوثق عقود الإيجار بموجب قانون الإيجار النافذ.
وعن دور لجان الأحياء أو البلديات في مراقبة هذا الملف، أفاد السلومي بأن لجنة الحي يمكنها رفع شكاوى المواطنين إلى الجهات المعنية، وينحصر دورها في ذلك بموجب القوانين. وفيما يخص حالات طرد المستأجر من المنزل، يعتقد أن مثل هذه الحالات لم يعمد فيها المستأجر إلى إجراء عقد إيجار، فالعقد الموثق قانونياً يحمي طرفي العلاقة، فصاحب الملكية الخاصة له حرية التصرف، ويجب عليه الالتزام بالعقد في حال وجوده ضمن مدة النفاذ.
رسالة رئيس مجلس مدينة حمص
رئيس مجلس مدينة حمص، مصعب عبد الرحمن السلومي، وجّه رسالة عبر موقع تلفزيون سوريا لأبناء حمص حول مستقبل مدينتهم، قال فيها: “كخطوة أولى نعمل على إعادة بناء الثقة بين المواطنين والحكومة كونها لم تكن موجودة سابقاً، وندعو جميع الأهالي الموجودين داخل البلد أو خارجه إلى العمل على المشاركة في المرحلة القادمة، سواء مشاركة فكرية أو عن طريق لجان العمل الشعبي والمجتمع المحلي، ونحن جاهزون لاستقبال أي شكاوى أو اقتراحات من الأهالي، ونتمنى المشاركة في جميع الفعاليات ليشعر المواطن بأنه المستفيد الأول من النتائج”.
- أهالي حمص يستيقظون على لوحات مشروع “بوليفارد النصر” وصدمتهم تجاهل الأحياء الثائرة المدمرة
- المهندس رسلان يوجّه انتقادات حادة لفوضى التنظيم العمراني في حمص : “التحرير لا يعني الفوضى”
عائشة صبري – تلفزيون سوريا


