معركة الوعي: دفاع عن الذاكرة السورية من محاولات التبييض … كاظم ال طوقان

 

في كل مرة نُذكّر بمعركة الوعي، يظن البعض أننا نبالغ أو نعيش في الماضي، لكن الحقيقة أن الذاكرة السورية اليوم مهدَّدة بالاختطاف. ثمة من يسعى إلى إعادة إنتاج الجلاد بوجهٍ ناعم، وإلى شيطنة الضحية تحت مسميات وشبهات خادعة، تُلبس القاتل ثوب «المنقذ الوطني» وتُجرّد المظلوم من براءته.
وهنا يصبح واجب الردّ ضرورة، لا ترفاً، لأن الصمت على تزييف الوعي أخطر من الرصاصة ذاتها.

من اللافت أن بعض المدافعين عن النظام السوري يغلقون باب النقاش، كما لو أن الحقيقة تخيفهم، ثم يلمّحون إلى أن «الجيش الوطني» الذي دمّر مدناً وهجّر ملايين السوريين وقتل عشرات الآلاف هو مؤسسة جامعة تمثل كل الأطياف.
لكن لنسأل ببساطة: أي جيش هذا الذي جرّب كل أنواع الأسلحة على أجساد السوريين؟ أي جيش سرق بيوت المدنيين وافتتح أسواقاً سماها «غنائم أهل السنة»؟ أي جيش حوّل التنوع الطائفي إلى وسيلة للتصنيف الوظيفي والولاء، حتى صار التقرير الكيدي أو الصلاة سبباً للسجن أو الإعدام؟

لم يكن ذلك جيشاً وطنياً، بل مؤسسة طائفية تحوّلت إلى ذراع قمع وابتزاز.
يكفي أن نتذكر الضباط الذين سُجنوا لأنهم رفضوا قصف مدنهم، أو لأن كرة طاولة اصطدمت بصورة «القائد الخالد» فاختفوا لسنوات في الأقبية. جيشٌ كهذا لم يعرف يوماً معنى الكرامة العسكرية، ولا معنى المواطنة، بل جعل شتم الذات الإلهية نكتةً متداولة في أروقته.

وفي المقابل، حين ظهرت الصورة الثانية التي تثير حفيظتكم، بدأتم بالغمز والاتهام بأنها «من لون واحد».
طيب، متى قال السوريون إن الثورة حكر على لون أو مذهب؟ منذ البداية، خوطبت كل المكونات، وخرجت المظاهرات بأسماء توحد الجميع: «صالح العلي»، «آزادي»، «الجمعة العظيمة»، «سلطان باشا الأطرش»… كانت الثورة نداءً وطنياً جامعاً، لكن من استقبلها بالورود في داريا عاد ليرميها بالبراميل المتفجرة.

فهل يُلام من بقي واقفاً تحت الحصار يقاتل دفاعاً عن شعبه حين فرّ الآخرون أو تواطأوا؟
هل يُحاسَب من حفر الأنفاق، وصمد في وجه المجازر، ورفض الانتقام حين سقط الجلاد؟
إنه مفارقة أخلاقية أن يُدان المظلوم لأنه حمل السلاح دفاعاً عن الحياة، بينما يُكافأ من دمّر البلاد بشعار «الجيش الوطني».

المشكلة ليست في اللحية التي تزعجك، بل في الهوية التي تحملها. فلو كانت لحية من ميليشيا طائفية تقاتل إلى جانب النظام لما أثارت حفيظتك، بل ربما عُدّت «رمزاً للمقاومة».
أما لحية من ثار على الظلم، فهي عندكم «إرهاب».
هذا هو جوهر معركة الوعي: أن نكشف ازدواجية الرواية، وأن نحمي ذاكرة السوريين من التزييف.

إن معركة الوعي ليست بين صورتين، بل بين حقيقتين : حقيقة من دافع عن كرامة السوريين، وحقيقة من أصرّ على إهانتهم باسم الوطن.
والوعي، في النهاية، هو آخر ما تبقّى لنا من وطنٍ مُمزَّق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى