سوريا بين ثلاثة نماذج : مال يوحّد ومال يُقسّم ومال يُعبّئ … مرهف مينو

 

أنا لست على اتصال بموفّق القدّاح أو غسان عبود أو عدنان العرعور، وكل ما أكتبه هنا مبني على ما قرأت وسمعت ورأيته في المشهد العام، حيث تتضح أمامي ثلاثة نماذج مختلفة للمال والنفوذ والدور العام في سوريا، نماذج تكشف حجم الانقسامات أكثر مما تكشف حجم التضامن، وتفتح المجال لتساؤلات لا بد من طرحها بصراحة.

موفّق القدّاح، المنحدر من درعا، لم يكتف بتقديم الدعم لمحافظته فقط، بل امتد ليشمل درعا وكل المدن السورية، مد يد العون بلا استعراض إعلامي ولا خطاب تعبوي، وكأنه يقول إن السوريين يستحقون الدعم بغض النظر عن موقعهم في خريطة الانقسامات السياسية أو الطائفية.

هذا النوع من المال نادر في زمن صار فيه كل شيء مسيّس، وكل مبادرة محسوبة على معسكر أو تيار، والقداح اختار أن يلعب خارج هذا الاصطفاف، ليقدّم نموذجاً نادراً للمال الوطني الجامع الذي يحاول أن يصل للجميع وليس لفئة معينة.

غسان عبود، هو نموذج مختلف، إذ تبرع لإدلب بما يقارب 55 مليون دولار، مبلغ ضخم لا يمكن تجاهله، لكنه لا يخرج عن دائرة مناطقه وجمهوره الخاص، فهو يقدم دعمه حيث تتوافق مصالحه الإعلامية والسياسية، ويستثمر المال ضمن شبكة نفوذه، وهذا يضع تبرعه ضمن سياق واضح : مساعدة محدودة النطاق مرتبطة بالنفوذ أكثر من كونها مساهمة وطنية شاملة.

عدنان العرعور، المثير للجدل، ليس بسبب حجم تبرعه لحملة فداء لحماة الذي قيل إنه بلغ 6.5 مليون دولار، بل لأنه يمثّل نموذجاً آخر تماماً للمال كأداة خطابية، جزء من ماكينة تعبئة عاطفية ودينية تغذي الانقسام منذ البداية، وتجعلنا نتساءل بصوت عالٍ: من أين له كل هذا المال، وكيف يمكن لشخص بهذه الخلفية أن يمتلك القدرة على تقديم مثل هذه المبالغ بسخاء تجاه جمهور محدود؟

المال عند العرعور ليس مجرد دعم، بل امتداد لمنبره الديني وهويته التعبوية، وهو جزء من استراتيجية غير معلنة لإدامة النفوذ الرمزي ضمن شريحة محددة، بعيد كل البعد عن أي مفهوم للتضامن الوطني.

هذه المقارنة بين الثلاثة تظهر بوضوح المشهد السوري اليوم: القداح يقدم لدرعا وكل المدن السورية دون حسابات ضيقة أو مصالح شخصية، عبود يقدم لمدنه ومناطق نفوذه ضمن مشروع سياسي وإعلامي، والعرعور يقدم لجمهوره المحدد وفق خطابه التعبوي والديني، وهو ما يسلط الضوء على هشاشة مفهوم المساعدة في هذا البلد، حيث المال أداة للنفوذ وليس لبناء الدولة.

المؤلم ليس اختلافهم، بل أن المشهد السوري بات يقبل هذا التباين كأمر طبيعي، وكأن البلاد قُسمت إلى مربعات، لكل مربع رجل مال، ولكل رجل مال جمهوره، ولكل جمهور روايته الخاصة عن البطولة، وهذا يعكس حجم الأزمة التي لم تعد اقتصادية أو سياسية فحسب، بل ثقافية واجتماعية وأخلاقية.

الحقيقة التي يجب أن يدركها السوريون اليوم أن ما يحتاجه بلدهم ليس أبطالاً جدداً ولا داعمين موسميين ولا لاعبي نفوذ محدودين، بل رؤية واضحة تحول المال من أداة تصنيف واستقطاب إلى وسيلة لربط هذه البلاد ببعضها.

وما لم يتحول المال إلى أداة لبناء جسور حقيقية بدل تعزيز الخطوط الفاصلة، سيبقى كل تبرع، مهما كان حجمه، مجرد رقم في معركة طويلة خسر فيها السوريون أكثر مما ربحوا، وسنظل نتساءل ونصرّ على السؤال : من أين يأتي المال، ولماذا يُقدّم بهذه الطريقة، ومن يستفيد فعلياً؟

هذا السؤال لا يمكن تجاوزه، فهو قلب ما يجري في سوريا اليوم، ومفتاح فهم المشهد الحقيقي وراء كل تبرع وكل خطاب وكل نفوذ.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى