وفد مجلس الأمن إلى دمشق… خطوة تتجاوز البروتوكول وتفتح أبواباً جديدة لسوريا … نزار الطويل

لم تكن زيارة وفدٍ كامل من الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي إلى دمشق حدثاً عابراً يمكن المرور عليه دون بحث ونظر، فقد جاءت الزيارة في لحظة دقيقة من تاريخ سوريا، لحظة تتداخل فيها الحاجة إلى الاستقرار مع متطلبات إعادة البناء، وتتشابك فيها الملفات المعقّدة من وحدة الأراضي إلى مصير القوى المحلية، وفي مقدمتها ملف قسد.

 

سوريا تعود إلى الواجهة الدولية

منذ سنوات طويلة لم تشهد دمشق حدثاً دبلوماسياً بهذا الوزن، حين وصل وفد المجلس بكامل تمثيله، وجال في الشوارع المدمّرة، ودخل إلى المواقع التاريخية، والتقى الرئيس أحمد الشرع بحضور كبار المسؤولين، هذا الحضور الأممي بدا وكأنه إعلانٌ غير مباشر، بأن سوريا لم تعد ملفاً مهملاً في أروقة الأمم المتحدة، بل دولة تستعيد مكانتها وتستعد لفتح صفحة جديدة في علاقتها مع العالم.

ورغم أن الزيارة لا تحمل في جعبتها قرارات نهائية، إلا أن رمزيتها كانت كافية لتقول شيئاً واضحاً: سوريا عادت إلى طاولة السياسة الدولية، لا بوصفها ساحة صراع، بل كدولة تبحث عن مستقبل مستقر وواحد.

 

رسائل واضحة… ووحدة الأرض محور الحديث

لفت الانتباه تكرار الوفد لعبارات مثل «سيادة سوريا»، «وحدة الأراضي»، «سلامة الحدود»، وهي عبارات لا تأتي من فراغ، هذه اللغة تعكس إدراكاً دولياً مشتركاً أن زمن الكيانات الموازية والحدود الداخلية المؤقتة يجب أن ينتهي، وأن الدولة السورية، بقيادتها الجديدة، تتقدم بثبات نحو إعادة لملمة الجغرافيا السورية ضمن إطار واحد.

كان لافتاً أيضاً اهتمام الوفد بلقاء هيئات تعنى بالمفقودين ولجان تقصّي الحقائق، ما يعني أن ملف العدالة، وإن كان مؤجلاً، لم يخرج من دائرة الاهتمام، وأن العدالة الانتقالية ستكون جزءاً من معادلة الاستقرار القادمة.

 

ملف قسد… على الطاولة الدولية أخيراً

لأول مرة منذ سنوات، لم يعد مصير «قسد» مسألة تجاذب بين دمشق وأنقرة وواشنطن فحسب، بل أصبح ملفاً سورياً -دولياً، تناقشه الدول الأعضاء في مجلس الأمن من زاوية وحدة سوريا واستقرارها.

والسؤال الطبيعي: هل يمكن أن تُسهم هذه الزيارة في إنهاء الملف بالكامل ودمج «قسد» في الدولة؟

الإجابة الواقعية: نعم، إذا تم تنفيذ الالتزامات المتبادلة بين الدولة السورية وقسد بحسب الاتفاق الموقع في 10 آذار الماضي.

بهذا المعنى، فإن الزيارة تُعدّ خطوة في الاتجاه الصحيح: لقد وضعت مجلس الأمن في قلب تفاصيل المشهد، ورفعت سقف التوقعات من جميع الأطراف، ورسّخت فكرة أن وحدة سوريا ليست شعاراً سياسياً، بل مساراً دولياً تدعمه القوى الكبرى.

 

أثر الزيارة… وما بقي أمام السوريين

إذا استثمرت سوريا هذه اللحظة بحكمة، يمكن للزيارة أن تتحول إلى نقطة انعطاف حقيقية:

  • تعزيز الثقة الدولية بالدولة السورية الجديدة.
  • تسريع خطوات بسط السيادة على كامل الجغرافيا.
  • تحريك ملف إعادة الإعمار بشكل عملي.
  • تثبيت مسار السلم الأهلي وفتح الباب لعودة المهجرين.

أما إذا ضاعت هذه الفرصة في متاهات الحسابات الضيقة، فسيبقى المشهد مترنحاً بين الممكن والمعلّق، وهو ما لا تتحمله سوريا اليوم.

زيارة وفد مجلس الأمن ليست فقط بارقة أمل، بل إعلان واضح بأن العالم يفتح صفحة جديدة مع سوريا، صفحة تحتاج منا، نحن السوريون، إلى وعي عميق، وإلى قدرة على تحويل اللحظة السياسية إلى واقع يومي يشعر به الناس في أمنهم ومعاشهم وكرامتهم.

تعود سوريا إلى مكانها الطبيعي باعتبارها دولة واحدة، موحدة، تتطلع إلى المستقبل بثقة، وتعرف أن زمن الشقاق قد انتهى، وأن زمن البناء قد بدأ.

 

 

باحث في قضايا الأمن والسياسة المجتمعية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى