فلاش باك… من القصير إلى حلب .. نجم الدين سمان

 

عندما بدات عام 2013 بتحرير العدد الأول من مجلة تواصل؛ لم تكن تنقصني المقالات؛ كنت أهتمّ أكثر بالتقارير اليومية من الداخل وليس الإخبارية؛ فتواصلت مع نشطاء في الداخل من حوران مروراً بحمص وحتى القامشلي؛ لم أطلب منهم أخباراً؛ كنت أتمنّى عليهم أن يكتبوا يوميات ما يجري حولهم؛ إحدى الناشطات من حيّ الوعر.. قالت: لكني قد أخطىء بالفصحى؛ فقلت لها: اكتبيها بالعامية؛ ونشرتها كما وردت؛ ثم كانت معركة القصير تكاد تنتهي؛ فتواصلت مع أحد المشاركين فيها؛ وأقنعته أن يكتب لي يومياته عمّا جرى ويجري؛ ونشرت الجزء الأول منها في العدد الأول من مجلة “تواصل”؛ حرّرتها.. مُضيفاً إليها العناوين الفرعية؛ وقد ترسّخ لديّ شعور بأنّ الثورة تمضي في غير الطريق الذي انطلقت من أجله؛ أتذكّر هذا الآن.. لأقول بان انسحاب أمراء الحرب من أرض المعركة بدأ منذ معركة القصير؛ ولم ينته في مقتلة حلب الكبرى.
ثمة خيانات.. ارتكبت؛ ولهذا سأعيد نشر الجزء الأول من يوميات مقاتل في معركة القصير

مدينة القصير… رحلة الموت
بقلم : علاء الدين الرفاعي
1 – الثلاثاء الرابع من حزيران 2013 الساعة الخامسة مساءاً
كانت المعارك على الجبهة الجنوبية الشرقية من المدينة على أشدّها قرب المدرسة الريفية والمناطق المحيطة؛ قصف لا يتوقف؛ صواريخ تتساقط فوق المدينة بالكامل؛ الدبابات تتحرك باتجاه المنطقة والمقاتلون يحاولون التصدي لهذا التقدم .. كانت الجبهة الجنوبية داخل المدينة هي الجبهة الأضعف على الإطلاق بسبب امتدادها الواسع وتغلغل الحزب ” حزب الله” داخل المباني واستخدامه لصواريخ جديدة مُعدلة ذات مدى قصير جداً؛ لكنه مدمر بالنسبة للأبنية؛ ممّا يُجبلا مقاتلينا على الانسحاب من الأبنية المستهدفة؛ وبالتالي يتقدم الحزب.
لن أتطرّق هنا إلى سير المعارك بالتفصيل الدقيق؛ سأحاول قدر الإمكان كتابة الظروف التي أدّت بنا لاتخاذ قرار الانسحاب من المدينة إضافة إلى الأخطاء اللتي وقعت وماحدث أثناء النزوح.. في الساعة السادسة تقريباً كان الحزب يحاول التقدم واستطاع الوصول إلى المدرسة الريفية وفتح فتحة بجدارها؛ وأدخل دبابتين إلى الحرش الخاص بالمدرسة وبدأ بنشر القناصين على 3 نقاط قريبة مُغلقاً عدداً من الشوارع التي كان مقاتلينا يتنقلون فيها.. بدأت الاشاعات تنتشر في المدينة بسرعة خيالية خصوصا بعد إخلاء الملاجئ القريبة.. “الحزب احتلّ المدرسة ” الحزب التفّ عليكم من الجبهة الشرقية ” ” مقاتلي الجبهات الأخرى انسحبو “..
صمد المقاتلين لفترة أمام الآلة العسكرية التي وصلت المدرسة لكن لم يكن كافياً وبسبب القناصين و القصف العنيف بالصواريخ واستخدام الشيلكا ضد الأبنية تسرّع أحد قادة المعركة؛ ولا أعرف من أعطى أمراً بالانسحاب بشكل علني على جهاز اللاسلكي.. كنت أستمع إلى كلام وحديث الحزب على الجهاز:”الكلاب أعطو أمر بالانسحاب تقدم تقدم من عندك حاول تاخد النقاط *** و *** و *** و *** “”تقدم يا *** وخود النقطة **** ” “يلا تقدم ما في شي أمامك اللي كانو عندك انسحبو ”
هنا حصلت المصيبة استطاع الحزب السيطرة على أربع نقاط إضافية في المدينة بعد المدرسة الريفية وهذه النقاط هي تقاطعات وأبنية عالية نشر عليها قناصين؛ وأصبح قريباً جدا من مركز المدينة والبلدية بعدها تقدم وأعلن الحزب عبر اللاسلكي لعناصره أنه سيطر على مبنى البلدية وهنا كانت الطامة الكبرى.. بسيطرة الحزب على المباني العالية في وسط المدينة واقترابه بشكل كبير من السوق ومركز المدينة؛ انهارت معنويات الناس واضطر الجميع للانتقال من الاحياء السوق والجنوبية وكافة الأحياء المتبقية والتجمّع داخل الحيّ الشمالي حيث كنا؛ ولم يتوقف القصف عليه لحظة واحدة بكافة أنواع الاسلحة والصواريخ -الساعة الثامنة مساءاً- بدأ الوقت ينفذ منّا؛ الحزب سيطر على الجزء الحيوي من المدينة وفي الأيام السابقة استطاع الحزب السيطرة على محيط المدينة بالكامل عدا منفذ وحيد تمّ صدّه فيه وتكبيده خسائر هائلة في اليوم السابق واغتنام الثوار لمدفع 106 و بيك آب دوشكا وذخائر وحتى طعام الحزب.. ما أتاح للقصير منفذاً وحيدأ مفتوحاً باتجاه منطقة البويضة الشرقية حصراً داخل ريف القصير من طريق الضبعة الذي استهدفه الحزب مراراً وتكراراً بالقصف المدفعي والصاروخي إضافة إلى الصواريخ الموجهة اللتي استهدف بها سيارات النازحين أو الجرحى لتدميرها..
ذهبت إلى مكان اجتماع القادة وابلغت أحدهم أن وضع القصير لا يتحمل أكثر من 12 ساعة بحسب ما أسمع على اللاسلكي؛ وأنه في الصباح سيتقدم الحزب بشكل كامل إن لم يتمّ التصرّف هذه الليلة بأي شكلٍ؛ سواءا هجوم أو انسحاب أو أيّ شيء؛ لأن الأمور ستخرج عن السيطرة بالكامل.. كنت منفعلاً جداً وبدأت بالصراخ؛ بينما هم طيلة الوقت في اجتماع دائماً ولا أحد منهم يتوجّه ليتفقد جبهاته إلا من رحم ربي.
معنويات المقاتلين كانت منخفضة في أدنى مستوى لها مع وجود الجرحى بين المقاتلين في مقراتهم وأمام أعينهم كان له الدور المدمر على معنوياتهم؛ بعض الجرحى بدأت جراحه تتعفن ويخرج منها الدود؛ البعض الآخر كان مدمراً نفسياً لمحاولته الخروج من المدينة لأكثر من 6 مرات مع الجرحى وعدم تمكنهم من مغادرتها. وصل عدد الجرحى لعدد أكبر من عدد المقاتلين الذين بقوا.. واصبح المقاتل يحمل هَمَّ الجريح ويخاف على نفسه أن يُجرح في المعركة كيلا يؤول حاله إلى ما وصل إليه حال زميله؛ والمشفى الميداني أعلنت نفاد الأدوية وعدم إمكانيته تقديم أي شيء للجرحى؛ فقط يلف الجرح بشاش عادي ويرسله إلى المقر أو إلى بيت مع المقاتلين.. الطعام بالاصل كان قليلاً والخبز كان حلم المقاتل يعيش المقاتل يومه من الصباح وحتى صباح اليوم التالي على رغيف صغير من الخبز المصنوع من قليل من الطحين العادي والكثير من طحين النخالة أو الشعير مع بيضة مسلوقة أو القليل من اللحم.
البعض يُريد الانسحاب من المدينة إن لم يكن الغالبية من القادة.. كانوا جبناء حين اتخذو القرار قبل يومين لكنهم لم يستطيعوا ان يواجهو مدنيي المدينة ومقاتليها بهكذا قرار.. كان القرار بالانسحاب صائباً في المرة الأولى حين تمّ اتخاذه؛ لكن المدنيين في المدينة لم يعو حجم المصيبة التي كانت ستقع في حال البقاء فيها.. وفي ظل عدم وجود طريق امداد لإدخال الأكل والأدوية وإخراج الجرحى؛ والأهم إدخال الذخيرة.
كلّ من كان في المدينة سيحكم عليه بالموت؛ ناهيك عن تركز الجميع ضمن حيٍّ صغير هو الحي الشمالي ما سيعني الإبادة بالقصف دون الحاجة لدخوله؛ خصوصا عند استخدام الصواريخ المعدلة. حاول البعض التفاوض مع الحزب حول خروج المدنيين والجرحى لكن لم يصلو إلى اتفاق أو نتيجة مُرضِية؛ ناهيك عن عدم ثقة الأهالي بوعود النظام والحزب . خلال ساعتين تم اتخاذ القرار وتعهّد البعض بتبليغ الجميع لتجهيز نفسه والخروج من المدينة .. ولكن إلى أين ؟!.. والأعداد هائلة وتحت القصف ؟!
قرّر الجميع التوجه إلى البويضة كونها المنطقة الوحيدة التي يمكن الذهاب إليها من القصير.
2 – القصير.. طريق الموت
الثلاثاء الرابع من حزيران 2013الساعة التاسعة مساءاً –
حول قدوم الكتائب لنصرة القصير من الخارج أو فتح الطريق للمدينة
في كل يوم كان المقاتلون يسألونني عن الأحوال في الخارج؛ الكل كان يتأمّل أن تقوم الأعداد الكبيرة من الكتائب والمقاتلين اللذين وصلو إلى مشارف الحصار المفروض على القصير بكسر هذا الحصار والدخول إلى مدينة القصير؛ أو تأمين الطريق اللازم لإخراج الجرحى وإدخال الأدوية وما يلزم.. كل يوم تأتينا الوعود “اصبروا فقط 24 ساعة سيدخل إليكم فلان ويفتح الطريق ومعه ألف من المقاتلين “.. “اصبرو 48 ساعة فقط وستختلف الأمور” كانت وعوداً زائفة لم نرى شيئاً منها؛ سوى لواء التوحيد الذي تمكّن من الدخول بما يُقارب ال 150 مقاتل مع عدد من مقاتلي لواء أحفاد الرسول حوالي ال50 إضافة إلى 50 مقاتل قدمو إلينا من دير الزور جزاهم عنا الله كل خير؛ لكن وصولهم كان متأخراً جداَ؛ الجبهات مُنهكة والحاجة إلى المقاتلين شديدة؛ ولم يقومو بفتح الطريق إنما حاولو التسلّل ونجحوا مع خسارة عدد من مقاتليهم أثناء محاولة الدخول إلى داخل الحصار.. قاتلوا معنا بصدق وحاولوا جهدهم دعم جبهاتنا وقدّموا عدداً من الشهداء والجرحى لكن الأعداد كانت قليلة.
على مشارف الحصار في جبال منطقة جوسية كانت الأمور هي الأسوأ؛ تجار الدم أوهموا الجميع أن الذهاب من جوسية هو الحلّ؛ لكن المصيبة كانت بقادة منطقة جوسية الذين خبرتهم جميعاً أثناء معاركنا هناك.. لم يكونو قادة كانو تجاراً بدماء أهالي القصير؛ جمعوا الكتائب في الجبال وأوهموا بأنهم مرابطون على حدود القصير؛ وأن ضرب حواجز الحزب بالصواريخ أو المناطق اللبنانية هو ما سيخفف عن القصير.
لم تفهم الكتائب التي قدمت طبيعةَ المنطقة ولم يتركوا معهم أدلاء إنما اكتفوا بتجهيز مخيم لهم للاصطياف في الجبال وبدء استلام السلاح والمال بحجّة التجهيز لفتح الطريق لمدينة القصير المحاصرة.. ممّا أخبرنا فيه من قدم لنصرة القصير؛ ثموصل إلى تلك المنطقة أمر يدعو لليأس.. أسابيع و أهالي القصير يتأملون بمن أصبحو في الجبال أن يشنوا معركة واحدة لفتح الطريق لكن لم يحصل.. يتحمل مسؤولية ما حصل “الشيخ” كما يُسمّي نفسه أحمد أمون إضافة إلى “السلس” وفي مقدمتهم “رائد الجوري” هم من كانو في المنطقة ويوجهون الناس فيها لفتح الطريق.. ما أحكيه الآن هو من شهادات الكتائب التي وصلت لتلك المنطقة ولم تستطع أن تعمل أيّ شيء؛ البعض منهم عاد أدراجه إلى القلمون والبعض الآخر عاد من حيث أتى..
لم يكن وجود “رائد الجوري” في المنطقة سوى تجارة بمعركة القصير كان يُوهِمُ الجميع بأنه حرّر الحواجز الموجودة في منطقة جوسية (السرية – الإدارة – ال14 ) وأنه فتح الطريق للحدود اللبنانية؛ وأنه.. وأنه.. والبيانات تصدر تباعاً… كل ما كان يحصل هو أنهم استلموا عدداً من الصواريخ (غراد ) لصالح معركة فكّ الحصار عن القصير؛ وقاموا بتوجيهها باتجاه المناطق اللبنانية واطلاقها أو ضرب الحواجز التابعة للحزب بالهاون … وماذا بعد ؟؟ لاشيء تخييم في الجبال دون بذل أي جهدٍ لمحاولة استعادة المنطقة أو فكّ الحصار عن القصير؛ إطلاق كم صاروخ يومياً؛ تصوير سريع ثمّ تبنّي عملية القصف؛ والبقاء في الجبال..
في البداية كان المقاتلون داخل القصير يسألونني كلّ يوم: ما أخبار جبهة جوسية.. وأين وصل المقاتلون؛ هل حرروا الحواجز كما يُقال ؟؟! وكنت أجيبهم :لا لسا ما باشروا شغل ع أساس الليلة.. وهلّم جراً.
وكانوا يومياً يُبلغوننا أنهم اليوم سيبدؤون المعركة من جوسية… كانت كله اوعوداً وكذباً؛ لم يتقدم أحد من هناك سوى لواء التوحيد ومن كان معه حاولوا التقدم قبل تغيير مسار طريقهم وبسبب جهلهم بطبيعة الأرض واستهتار مقاتلي المنطقة “أحمد أمون” كادوا يقعون في كمين كبير اضطرهم للانسحاب والدخول تسللاً إلى داخل مدينة القصير؛ بقي عدد كبير من المقاتلين في جبال جوسية دون عمل؛ انهارت معنويات مقاتلينا داخل المدينة وهم يسمعون عن الأعداد الضخمة التي وصلت إلى جوسية دون أن تقوم أو تباشر بأيّ عمل هناك..
على الجبهة الأخرى من الخارج ( طريق حمص – دمشق ) أيضاً أبلغنا بتوجّه عدد كبير من المقاتلين لفك الحصار عن مدينة القصير؛ بقيادة المقدم طالب الدايخ وأبو السايح؛ الأعداد تجاوزت الألف مقاتل تمّ تجهيزهم وتسليمهم كمياتٍ ضخمة من السلاح لفتح معركة من الجهة الشمالية الشرقية لريف القصير بُغية تهيئة طريق إمداد للمدينة المحاصرة.. انتظرتهم القصير أياماً وأياماً؛ وفي كلّ يوم يُبلغوننا أنهم سيباشرون المعركة هذا اليوم؛ وللأسف لم يتحرك أحد.. كانت تجارة بدماء القصير بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى؛ لم يُضرَب حاجزٌ واحد بُغية فتح الطريق؛ ولم يتحرك أحد؛ حيث لم يكن يتطلب فتح الطريق هذه الأعداد الهائلة من المقاتلين المسلحين بكافة الأسلحة التي هي بالأصل للقصير..
يوم ويومان وثلاثة.. ولم نر أية محاولة لفتح الطريق؛ فقدنا الأمل داخل القصير من أن يتحرك أحد من الخارج لنصرتها… وطلب إلينا بالصمود يومياً لكن دون فائدة؛ صمدنا أكثر من طاقتنا وأضعاف طلباتهم لنا لكن دون فائدة… “يتبع الجزء الثاني.. لا حقاً”.

 

 

 

رصد سوريا

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى