الفرق بين العمامة البيضاء والعمامة السوداء في الانتخابات الايرانية .. محمد امين*

 

ماذا سيحصل في الاتجاه العام لبوصلة النظام الثيوقراطي الحاكم في ايران ان فاز في الانتخابات الرئاسية الايرانية المزمع عقدها في 19 أيار رئيس صاحب عمامة بيضاء أو فاز مرشح صاحب عمامة سوداء؟
الرئيس الحالي حسن روحاني هو صاحب عمامة بيضاء. وفي مقابله سيظهر في الآرجح ابراهيم رئيسي صاحب عمامة سوداء الذي هو من الآمرين الكبار في مجزرة عام 1988 حيث أبادت 30 ألفا من السجناء السياسيين.
وللاجابة على السؤال، لابد من النظر في المراحل السابقة.
اقتصاديا هناك دورتان مهمتان تستحقان الدراسة فيهما:
الدورة الآولى عندما كان أحمدي نجاد المتطرف رئيسا لولايتين (2013-20055) حيث بلغت ايرادات ايران من العملة الصعبة ما يقارب ألف مليار دولار، وسقط خطران على الحكومة الايرانية شرقا وغربا أي صدام حسين وطالبان وتمكن خامنئي من توحيد تركيبة السلطة الحاكمة على ركيزة واحدة. معذلك فان اقتصاد ايران بدأ ينهار منذ أواسط ولاية احمدي نجاد وقبل بدء العقوبات الدولية: انخفضت قيمة العملة المحلية الرسمية بنسبة 70 بالمئة وتحولت ايران الى واحدة من الدول الخمس المصابة بالتضخم عالميا تبعه ركود عميق وأمواج بشرية بالملايين من العاطلين عن العمل.
وأما الدورة الثانية فهي ولاية روحاني (الموصوف بالمعتدل). في هذه الدورة الغيت العقوبات الدولية المفروضة على ايران وعاد تصدير النفط بنسبة لافتة الى ما كان عليه ما قبل العقوبات، وتم اطلاق الأرصدة المجمدة الايرانية بعشرات المليارات من الدولارات. ووقعت مئات من التفاهمات لتوسيع التبادلات الاقتصادية مع الغرب. معذلك مازال الاقتصاد الايراني مصاب بالأزمة في الشهر النهائي من ولاية روحاني. وزير الطرق وبناء المدن «عباس آخوندي» قد أوجز في الاسبوع النهائي لشهر مارس الوضع في عبارة «الاقتصاد الايراني يعاني من ثلاث أزمات وهي: أزمة افلاس المصارف، وأزمة ديون الحكومة المشلة وأزمة انخفاض فوائد اقتصاد البلاد».
الاقتصاد الايراني المتأزم ملازم بالسياسة المتأزمة. الحكومة الايرانية وخلال السنوات الأربع الماضية قد أزاحت من خلال الحصول على اتفاق النووي، المحور الرئيس للتوتر بين ايران والمجتمع الدولي لفترة ما على الأقل. كما ان رئاسة الجمهورية الزاعمة بالاعتدال كانت تسعى التستر على النزعة العدائية للحكومة الايرانية. كما ان الرئيس الأمريكي اوباما كان يتجنب بروز الكثير من التوترات بين أمريكا وايران وحتى بين الدول العربية وايران.
رغم ذلك فان الحكومة الايرانية في هذه الدورة قد حطمت الرقم القياسي في نشاطاتها منذ 300 عاما في ثلاث مجالات أساسية:
– عدد عمليات الاعدام التي تجاوز 3 آلاف حالة.
– أبعاد تدخلاتها في دول المنطقة حيث تورطت ايران في ثلاث حروب في سوريا والعراق واليمن.
– حجم انتاج المعدات الحربية والأسلحة حيث قال روحاني: «في صناعة الأسلحة الستراتيجية عملت الحكومة ما يعادل أكثر من السنوات العشر الماضية» (وكالة أنباء مهر 8 مارس 2017).
هذه التجارب، تضع علامة استفهام كبيرة على التصنيف بين المتشدد والمعتدل في النظام السياسي في ايران. ان تاريخ ايران على مدى 4 سنوات يقول ان الصراع في نظام ولاية الفقيه يدور على السلطة بين الأجنحة المدافعة عن النظام ولايوجد عنصر معتدل. في حينه قال هنري كيسنجر حقا ان المعتدلين في ايران هم قتلة قد نفدت رصاصاتهم.
ومن خلال هذه التجارب يمكن التنبؤ الى حد ما ، بتأثير الانتخابات في 19 أيار:
11- في السياسات الأساسية التي تشمل انتهاك حقوق الانسان والسياسة التوسعية في الشرق الأوسط والمتابعة المخفية لبرنامج صناعة القنبلة النووية، لن يحصل تغيير سواء يفوز روحاني كرسي الرئاسة من جديد أم يفوز منافسه.
2- تتواصل حالة الشلل الاقتصادي للبلاد، بفوز روحاني بسبب استمرار الصراع بين الجناحين.
ولكن بفوز رئيسي فان سلطة ولاية الفقيه وقوات الحرس على الاقتصاد الايراني تتوسع وسوف يستفحل وضع الركود الاقتصادي بسبب تخصيص ايرادات الدولية للحروب في المنطقة.
ج – مع فوز رئيسي تضيق الفجوة في قمة النظام تجاه الاحتجاجات الجماهيرية، وسيتم تحشيد أكثر لقمع المحتجين. ولكن هذه السياسة تحمل في طياتها خطر غليان الانتفاضة مثلما حصل في عهد احمدي نجاد.
وهذه الحالة (أي خطر اندلاع الانتفاضة) حتى اذا ما فاز روحاني، تبقى فاعلة بسبب تصعيد الصراع على السلطة وتوسع الشرخ في قمة النظام.
قال قائد جمهورية الصين «دينج شياو بينج» الأسبق:
“ليس المهم لون القطة أبيض أم أسود.. ما دامت القطة تصطاد الفأر فهي قطة جيدة”.. في ايران اليوم ليس المهم لون العمامة أبيض أم أسود.. بل المهم أن يخضع الرئيس للنظام الثيوقراطي.
والنتيجة الأهم أن الحالة المستقبلية لايران حبلى بتحول.
معذلك، اذا توجهت أمريكا وتحت وطأة اجبارات الظروف في العراق وسوريا مثل الماضي الى التعاون مع عناصر النظام في هذه الدول، فان خامنئي سيستفيد من هذا التعاون بمثابة عامل قوة مما يمكنه من احتواء الأزمة الداخلية.
واذا ما اعتمدت الحكومات الغربية خاصة أمريكا، سياسة انهاء الاحتلال الايراني في كل من سوريا والعراق واليمن، فان حالة الاستياء العام في الداخل وسائر الأزمات لن ترى أمامها حاجزا للعمل.

 

 

 

 

* محلل الشؤون الايرانية وباحث في مؤسسة دراسات الشرق الأوسط – باريس

 

النص الاصلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى