ماذا يقول طلاس لربّه؟ .. أحمد عليان

في خبر ليس مفاجئاً، أُعلن عن موت وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس، في أحد مشافي العاصمة الفرنسية باريس، هو موتٌ أخيرٌ سبقه موتٌ أخلاقيٌّ أُعلن عنه همساً بين السوريين، ممّن عرفوا طلاس وإجرامه منذ زمن، ثمّ تلاه موتٌ سريريٌّ دامَ أيّاماً. إنّها عِبَرُ التاريخ ودروسه، مصيرٌ سبق إليه الرئيس الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون، هكذا تتشابه نهايات الطواغيت.

مسيرة طلاس المعروفة لدى جميع السوريين، هي غيضٌ من فيض قذارة، ولعلّ الناظر إلى الرجل وهو مغطّى بالنياشين، وأوسمة الشرف، يخيّل له أنّ الأمير العثماني محمد الفاتح أخذ لقب الفاتح زوراً وبهتاناً، وكان الأجدر أن يوسمَ طلاس به، رغم أنّ الأخير لم يحرّر شبر أرض.

إنَّ الترقية والنياشين في دولة الأسد لا علاقة لمحبة الوطن بها، بل محبّة قائد الوطن هي الأساس، ولا علاقة لمعاداة المحتلّ للأرض بها، بل معاداة الشعب وسحقه هي المعيار. فهم طلاس هذه المعادلة الّلا أخلاقية وسار بها على أتمّ وجه، فنال رضى الأسد الأب.

المحكمة العسكرية التي شُكّلت في مدينة حماة مطلع الثمانينات، ترأسها طلاس وأصدر أحكام الإعدام بحقّ علماء وفقهاء المدينة. لسجنِ تدمرَ العسكري ذكرياتٌ مُرّةٌ مع قلم هذا الرجل، فكان يوقّع يوميّاً على إعدام مائة وخمسين سورياً والتهمة كره الوطن، وكما أسلفنا الوطن هنا هو القائد. لم يخجل طلاس من إجرامه، فهو من اعترف غير نادم بهذه التوقيعات المائة والخمسون، لجريدة دير شبيغل في العام 2004م.

ربّما كان ينتابه شعور بالعظمة والجبروت، إذ أنّه وبجرّة قلمٍ ينهي حياة المئات، وربّما كان يمشي الخيلاء بين رجالٍ تدلّوا من المشانق، ويصرخ فيهم: لمن الملك اليوم؟.

المهام القمعيّة الموكلة لهذا الرجل رغم كثرتها، إلّا أنّها لم تحل بينه وبين الثقافة والعلوم، فهاهو ينال درجة الدكتوراه الفخريّة في العلوم السياسيّة، وأخرى في التاريخ، وها هو يفتتح ثاني أكبر مكتبة في الوطن العربي، ثمّ يؤسس داراً للنشر باسمه، ويؤلّف أكثر من أربعين كتاباً، متنقّلاً بين المواضيع برشاقةٍ قلَّ نظيرها حتّى عند نجوم الأدب العالمي، فمن كتاب “الثوم والعمر المديد”، إلى المعجم الطبي النباتي، مروراً بكتاب “شاعر وقصيدة”، بالإضافة لعشرات الكتب المتنوعة بين الدراسات السياسيّة والعسكريّة والتاريخيّة والطبيّة.

كثيرةٌ هي مؤلّفاته، وأكثرُ منها الشكوك التي ترقى لليقين، بأنّ الرجل فرضَ على بعض الكتّاب والمفكرين كتابة هذه المؤلّفات، ثمّ إنَّ المستمع لتصريحات طلاس وخطبه، يوقن أنّ الرجل لا يملك من معاجم الّلغة إلّا المعجم السوقي البذيء، فلم يكن يتردّد في التلفّظ بأقذع الشتائم أمام المجتمعين، وعلى الهواء مباشرةً، كتلك الشتائم المعيبة التي وجهها للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. إنّه الجبروت والتعالي على الجميع، إذاً أين شهادتا الدكتوراه؟ وأين أكثر من أربعين مؤلّفاً يدّعي تأليفها؟ لقد حُمّل الرجل هذه الشهادات والكتب ولم يَحملها، فكان كما قال الله( كالحمار يحمل أسفاراً).

ولعُ طلاس بالنياشين، والهدايا الفاخرة، وجمع شهادات الدكتوراه، ليس بأكثر من ولعه بالنساء، لكنّه كما يتهكّم البعض لم يكن وطنيّاً بهذا الموضوع تحديداً، إذ كان هواه غربيّاً أغلب الأحيان.

علاقته مع الممثلة الإيطالية جينا لولو بريجيدا مخجلة، والمخجل أكثر هو تصريحه بهذه العلاقة، وعدم خجله باعتباره وزير الدفاع السوري ذو النياشين، فكان يعلّق صورتها وهي شبه عارية على جدار مكتبه، رغم أنَّ الجدران في سورية لا تتّسع لصورة أحدٍ سوى صورة القائد، لكن يحقُّ لطلاس ما لا يحقّ لغيره.

صحيفةُ البيان الإماراتية كانت قد أجرت لقاءاً معه سنة 1998 قال فيه: ” عندما نُشِرَت قوات اليونيفيل الدوليّة في لبنان، جمعتُ زعماء المقاومة الوطنية اللبنانيّة وقلت لهم: افعلوا ما شئتم بالجنود الأمريكيين والبريطانيين، ولكن لا أريد أن يُؤذَى جنديٌ إيطاليٌ واحد، لأنّي لا أريد أن أرى دمعةً واحدةً من عيون جينا لولوبريجيدا”.

فضيحته مع الممثلة الإيطاليّة، أقلُّ صخباً مما ذكرته وزيرة الخارجية الفنلندية  تاريا هالونن في مذكراتها عام 1999، إذ قالت إنّها زارت سورية مرّتين، وإنّ طلاس حاول اغتصابها في كلتا الزيارتين.

السؤال هنا: هل يمكن لرئيس بلديّة أن يتردّد في الانتحار، إن تعرّض لأقلّ هذه الفضائح وأهونها؟ فكيف بمن يفاخر بها ويعتبرها من إنجازاته الوطنية وهو وزيرٌ للدفاع؟

ليست صدفةً أن يكون طلاس مقرّباً من حافظ الأسد، وهو الذي لأجل الأسد قتل ونكّل، وأراق دمع الأمهات على مدار سنوات طوال، آلاف الأمهات السوريات يبكين أبناءهن حتّى اليوم، لأنّ طلاس قرّر بجرّة قلم نهاية حياتهم، في حين كان يُحذّر المقاومة من قتل جندي بريطاني حتى لا تبكي “جينا”.

مات طلاس عن عمر يناهز الخامسة والثمانين عاماً، جلّه قتلٌ وتنكيل بالأبرياء، وها هي ملايينٌ من اللعنات تهزّ جثته المرميّة في براد الموتى، وهنا لا بدَّ أن نقول له كما كان يقول لجثامين قتلاه: لمن الملك اليوم؟

ثمّة محكمةٌ إلهيةٌ ستشكّل اليوم، وثمّة قاتلٌ يدلي بساطوره، وقتلى يدلون بالأسماء، القاضي فيها هو الله، والضحايا كُثرٌ والقاتل طلاس، فماذا تراه يقول لربه؟

 

 

 

 

الأيام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى