
كردي في رحلة للبحث عن وطن
ميرفان، سوري كردي من مدينة الحسكة في شمال سوريا، ولد وعاش في دمشق. حرم من حق الجنسية السورية كالكثير من السوريين الأكراد، ما دفعه للسفر إلى ألمانيا. روى لمهاجر نيوز قصة المكان الذي عاش فيه وكيف وصل إلى ألمانيا وماذا يعني الوطن بالنسبة إليه.
اسمي ميرفان (36عاما)، سوري كردي، هذا ما يقوله قلبي وتقوله ذاكرتي ولكن في السجلات السورية أنا أجنبي. في سوريا وفيما يخص الأكراد على وجه التحديد، هناك مجنسون ومسجلون كأجانب، ومكتومو القيد، أنا وإخوتي وأبي من الصنف الثاني وأمي لديها الجنسية السورية ولكن بما أن القانون السوري لا يتيح للمرأة منح الجنسية لأبنائها فلم أحصل على الجنسية السورية.
”الوادي كان وطنا كوردياً مصغر“
ولدت في دمشق، في منطقة وادي المشاريع، وهو حي بدايته غائرة كوادي، ويرتفع شيئاً فشيئاً للأعلى نحو السماء، تنبسط فوقه مساكن العشوائيات، غالبيتها للأكراد القادمين من الشمال السوري. تقابله منطقة مشروع دمر، ويجاوره ”حي الرز“ للعرب القادمين من مناطق أخرى، وفي أسفل الشارع يقطن بعض الدمشقيين.
كان الوادي وطنا كردياً مصغراً، نتكلم في الحي لغتنا الأم -الكردية- بأريحية نسبياً ونحتفل بأعيادنا ونظم بعضهم فيما مضى اجتماعات سرية. نشأت وإخوتي الأربعة ونحن نشعر بأننا متميزون كأكراد، وأننا مختلفون عن القاطنين في أماكن أخرى في سوريا، فنحن لا ولن نستطيع فعل ما نريد، وسيكون لدينا عندما نكبر وثيقة كبيرة وطويلة بدلاً من الهوية، سنجلّدها ليسهل علينا حفظها، وسنصحبها معنا أينما ذهبنا. تعلمت اللغة العربية من خلال برامج الأطفال والتلفاز والمدرسة ومن ثم الأصدقاء.
”ما لم أستطع كبحه هو الحلم“
مع مرور الوقت أدركت أنني لا أستطيع السفر خارج سوريا، وأنه لا يجب أن أطمح للحصول على شهادة عالية أو التقدم لوظيفة حكومية أو أن أصبح طبيبا أومهندسا. عرفتُ حدودي فيما يتعلق بالحب والانتماء والهوية ولكن ما لم أستطع كبحه هو الحلم، أولاً بإيجاد مكان أنتمي إليه ويعترف بي، وثانياً بالسفر والتجول بحرية. لذا قررت الخروج والبحث عن وطن.
الهجرة عند السوريين الأكراد مألوفة قبل الثورة
الهجرة عند السوريين الأكراد مألوفة قبل اندلاع الثورة السورية، ولم تتوقف هجرة الأكراد إلى الآن، لكل عائلة في الحي شخص في الخارج وهو أمر حرصنا على تحقيقه كوننا “جينياً” لا نشعر بالأمان. فالشخص المسافر يبقى بصيص أمل للأسرة كاملة وطموحها لنيل حياة آمنة وكريمة ودخل أفضل.
منذ أن سافر أخي عام 1997 وهو لم يكد يبلغ السابعة عشر من عمره، وفكرة الخروج تدور في رأسي من دون قدرة على تنفيذها، إلا أن بحثي اكتمل عام 2010 أي قبل اندلاع الثورة السورية، وبت خبيراً في طرق المهربين وأساليب الهجرة وجاهزا للمغادرة.
رحلة في البر والبحر والجو
في منتصف شهر كانون الثاني/يناير، اتفقت مع مهرب وقريب لي في اليونان. من دمشق ذهبت إلى اللاذقية، وبعدها إلى الحدود التركية عن طريق مهرب، قطعنا الحدود مشيا ولم يكن الأمر سهلا. وصلت إلى أنطاكية ومن هناك إلى اسطنبول وبعدها أدرنة، مشينا في الغابات حتى نهر إيفروس قطعناه وأصبحنا في اليونان. الرحلة لم تكن سهلة وعبور النهر كان مخيفا، ومنذ ذلك الوقت يعنّف المهربون المهاجرين الذين ليس لديهم نقود.
في اليونان طلبت الحصول على جواز سفر مزور، فرنسي لبناني، وقطعت تذكرة من أثينا إلى فرنسا ثم توجهت إلى بريمن الألمانية من هناك.
وصلت إلى وجهتي عام 2011، وطلبت اللجوء في ألمانيا. عشتُ في مخيم وانتظرت الأوراق، وحصلت على إقامة إنسانية، طلبت بعدها بثلاث سنوات لجوء سياسي، وأسست عملاً وتعلمت اللغة وأنصفني القانون. جاءت بعد فترة أمي وبقية أخوتي وعائلات كردية كثيرة إثر الحرب في سوريا.
سأبقى بنظرهم مجرد لاجئ
في ألمانيا، لدي جميع حقوقي كمواطن، على عكس سوريا، لكنني لم أشعر بالانتماء في ألمانيا، كان لدي زملاء ألمان في العمل ولكن صعب عليهم تقبلي، واكتشفت أن هناك عنصرية فسواء كنت كردي أم عربي، سأبقى بنظرهم مجرد لاجئ وهذا كفيل بمنع اندماجي في المجتمع الألماني وإن حصلت على الجنسية.
بقي انتمائي الحقيقي للسوريين والأكراد والمهاجرين واللاجئين من جنسيات أخرى، وبقي هذا هو المحيط الذي أرتاح في التفاعل معه. لهذا ومع احترامي وتقديري لألمانيا وحبي لهذا البلد، لم أكف عن تعريف نفسي بأنني سوري كردي، وأن هذين الانتمائين يعنياني بشدة وأن لدي علاقة خاصة مع سوريا حيث ولدت ونشأت وعشت.