ردود فعل المهاجرين على قانون الهجرة الفرنسي.. “لا نريد أن ننجب أطفالاً تحيطهم العنصرية والكراهية من كل اتجاه”
“لا أريد أن أنجب أطفالاً هنا”،”لا نعرف إذا ما كانت فرنسا تريدنا أم لا”، “لم نسمع شيئا عن القانون لأننا مشغولون في جني قوت يومنا”. ردود فعل مهاجرين في فرنسا على قانون الهجرة الجديد.
لا تزال ردود الأفعال تتوارد على قانون الهجرة الفرنسي الجديد، والذي يعتبره جزء كبير من الساسة الفرنسيون (خصوصا اليسار) ومعظم المنظمات غير الحكومية، قانوناً عنصرياً وصارماً، فيما تعتبره الحكومة وأحزاب اليمين “انتصاراً تاريخياً”.
وفي ظل النقاشات والمناظرات حول بنود هذا القانون، وآلية ومواعيد تطبيقه، والخطوات القانونية الممكنة للوقوف في وجهه، يبقى المهاجرون الحلقة الأضعف وأول المتضررين. تحدث فريق مهاجرنيوز مع مجموعة من المهاجرين الذين يعيشون في فرنسا، واستفسر عن رأيهم بالقانون وردود أفعالهم عليه.
“نحن لا نفهم ما الذي يريدونه: المزيد من الطلاب والعمال ومحاربة شيخوخة المجتمع؟ أم تحييد الناس عن القدوم إلى فرنسا؟”
يقول خالد*، وهو مصري يبلغ 32 عاماً، ويعيش في فرنسا منذ 12 عاماً ويعمل في شركة مقاولات، “أشعر بالغضب والعجز. نحن ضعفاء، آراؤنا وانتقاداتنا وأصواتنا لا تؤثر في قرارات الحكام، والصعوبات اليومية التي نمر فيها لا تؤخذ بعين الاعتبار. أشعر كأنني أعيش في بلد عربي، يقرر سياسيوها ما يريدون غير آبهين بالمجتمع. وأنا هنا أتحدث عن المجتمع الذي أقابله كل يوم الساعة السادسة صباحا عنا الذهاب إلى عملي، رجال ونساء من أصول مهاجرة يستقلون المواصلات العامة منذ الفجر، ليلتحقوا بمهن صعبة في البناء والتنظيف، معظمهم يعملون بشكل غير قانوني ويتعرضون للاستغلال، كل هؤلاء سيعانون بسبب هذا القانون”.
يتابع “يريدون أن يجعلوا الطلاب يدفعون وديعة كضمان، وفي نفس الوقت يسوّقون الجامعات الفرنسية لاستقطاب طلاب أجانب. لا أفهم ما الذي يريدونه: المزيد من الطلاب والعمال ومحاربة شيخوخة المجتمع؟ أم تحييد الناس عن القدوم إلى فرنسا؟”.
أما سعاد*، وهي تونسية تبلغ 30 عاماً، وتعمل في مجال الإعلام، فتقول “اطلعت على القانون وأصابني الاكتئاب. أعيش في فرنسا منذ ثمانية أعوام ولا زلت أحمل تصريح إقامة طالب، ما يحدد ساعات العمل المسموح بها والحقوق، وفي الوقت ذاته، تغيير وضعي من طالبة إلى موظفة يتطلب الكثير من الشروط التعجيزية في عقد عملي. لا أريد أتزوج الآن، ولا أريد أن أنجب طفلاً لأحصل على إقامة، ولا أريد أي طرق ملتوية لأحصل على بعض الاستقرار المستحق في حياتي، لكن ما الذي من المفترض أن أقوم به في ظل نظام لا يتوانى عن خنقنا؟”.
وأردفت “ابن أختي ولد في فرنسا قبل أربع سنوات، وبسبب هذا القانون (إلغاء حق الأرض)، سينتظر حتى سن الرشد ليحظى بجواز سفر فرنسي، على الرغم من أنه لا يتحدث إلا الفرنسية، ولا يختلط إلا بالفرنسيين من زملائه، ويعيش طفولته كما يعيشها أي طفل فرنسي”.
وشرحت “حتى اللحظة، لا نستطيع الجزم إلى أي حد سيؤثر هذا القانون على حياتنا اليومية، لكن الأكيد هو أن حياتنا كانت صعبة حتى قبل هذا القانون. أنا أتقاضى راتبا شهرياً يصل إلى 1200 يورو، أدفع منها 900 يورو كإيجار، وعندما طالبت ببدل إيجار كمساعدات من الدولة (APL)، تم رفضها لأسباب إدارية تتعلق بدخلي قبل عام من الآن. على السلطات أن تحدد موقفها بشكل واضح بأنها لا تريد أي أجنبي هنا، بدلاً من فرض شروط مجحفة ومستحيلة. وبالتأكيد هذا يعني التوقف عن التباهي بقيم الجمهورية التي بالكاد نلمسها في حياتنا اليومية”.
عامل في مجال البناء لا يحمل تصريح إقامة: “لم أسمع عن هذا القانون”
وعلى الرغم من أن جزءاً مهماً من القانون يستهدف الأشخاص الذين لا يعملون في مهنة معلن عنها، والذين لا يحملون تصاريح إقامة، إلا أن عمر*، 27 عاماً، وهو عامل مصري يعيش في فرنسا منذ ثلاث سنوات ونصف، نفى معرفته بهذا القانون، كما نفى ذكر أي شيء يتعلق به في موقع البناء الذي يعمل به، “المليء بالعمال الذين يعملون بالأسود”، على حد تعبيره.
وعند سؤاله عن القانون، أجاب “قانون جديد؟ سيجعل حياتنا أصعب من قبل؟ لم أسمع عنه أي شيء. أنا ومن مثلي من العمال، نريد أن نحصل على قوت يومنا، وفقدنا الأمل في أن نحصّل أي حقوق واضحة من السلطات”.
وشرح الشاب الأعزب ظروف عمله، قائلاً “أعمل ما بين 10 إلى 15 يوماً في الشهر، بمعدل ثماني ساعات يوميا، وأتقاضى ما بين 50 و70 يورو في اليوم الواحد. لكن كل هذا غير مضمون، نتعرض للاستغلال من قبل أرباب العمل، ولا يدفعون لنا بشكل منتظم، ولا نملك أي حقوق تتعلق بالتأمين الصحي أو الحصول على مسكن ملائم أو تدابير الأمان في العمل. نريد أن نعيش وأن نبنى حياة هنا، لكننا فهمنا منذ البداية أن السلطات لا تريدنا أن نحظى بحياة طبيعية، سواء كان ذلك بالقانون القديم أو بالقانون الجديد”.
“لا أريد أن أنجب أطفالا في هذه الدولة”
دينا* فلسطينية تبلغ 31 عاماً، وتعيش في فرنسا منذ سبع سنوات، أنهت دراسة الماجستير، وتعمل كباحثة في العلوم الإنسانية في باريس، تقول “أجتمع أنا وأصدقائي، عرب وفرنسيون، كل أسبوع تقريباً في منزل أحدنا، نطهو طعام العشاء ونشاهد فيلما ونتشارك قصصنا. قبل أسبوع كنا نحتفل بتصويت البرلمان ورفضه لمشروع قانون الهجرة. كنا ساذجين واعتقدنا للحظة أن هناك بعض الأمل في الطبقة السياسية في فرنسا وأحزابها. لكن انظر إلى حالنا الآن”.
وتابعت “شخصياً، كنت خائفة من البنود المتعلقة بالحصول على الجنسية الفرنسية، لكن تبين أنها لم تُدرج في القانون. (تمديد فترة الإقامة في فرنسا قبل تقديم طلب الحصول على الجنسية الفرنسية، من خمس سنوات إلى 10 سنوات. لكن هذا البند لم يكن في النص النهائي للقانون). القوانين التي تم التصويت عليه لا تؤثر على حياتي حالياً، لكن التوجه العام الذي يتبناه السياسيون الفرنسيون والأفق السياسي في الجمهورية، جميعها تمثل كوابيس لي ولأقراني من المهاجرين. نحن نغرق ببطء في خطابات من العنصرية ومعاداة الإسلام ومعاداة المهاجرين، وفي نفس الوقت، نحن مطالبون ببذل قصارى جهدنا لتحقيق أهدافنا الشخصية والمهنية والأكاديمية. وبدلاً من أن تكون رحلة الاندماج في المجتمع سلسة ومرنة ومبنية على علاقة متعددة الاتجاهات بين المهاجر والمجتمع المستقبِل، باتت هاجساً يومياً يخيفنا ويعيق حياتنا، نستيقظ كل صباح وعلى عاتقنا هذه المهمة الهائلة: كيف نُظهر للآخر، وفي هذه الحالة الطبقة السياسية الفرنسية ذات الأغلبية اليمينية، أننا أشخاص جديرون بحياتنا هنا؟ هذا هو أخطر ما في القانون الجديد بالنسبة لي، خوفي من مستقبل حياتي في فرنسا”.
وعند سؤالها عن المستقبل الذي تخشى منه، أجابت دينا “أنا على وشك الزواج. أنا وشريكي لا نحمل الجنسية الفرنسية، منذ تبني هذا القانون، ونحن نكرر جملة واحدة: لا نريد أن ننجب أطفالاً في فرنسا، لا نريد أن يعيش أبناؤنا طفولتهم وهم يفكرون بالفوارق العنصرية بينهم وبين زملائهم في المدرسة، لم نأت من بلداننا ونعاني كل ما عانيناه في سبيل بناء حياتنا في فرنسا، لينتهي بنا المطاف محاطين بأزمات الهوية والعنصرية والكراهية”.
*اسم مستعار