
بيوت بيعت بقوة السلاح.. سوريون يواجهون تزويرا وابتزازا في السيدة زينب
عادت قضية الممتلكات المسلوبة في بلدة السيدة زينب جنوبي دمشق إلى الواجهة بعد سقوط النظام السوري، وسط مطالبات باسترداد العقارات والمحال التجارية والأراضي التي استولت عليها مجموعات وأفراد وكيانات مرتبطة بالنظام السابق. أثارت هذه المطالبات تساؤلات حول آليات الاسترجاع القانونية ومدى قدرة القضاء على التعامل مع ملفات عقارية معقدة ومرتبطة بانتهاكات خلال سنوات الحرب.
تحولت منطقة السيدة زينب خلال السنوات الماضية إلى مركز نفوذ للميليشيات الإيرانية وميليشيا حزب الله، وشهدت استقدام مقاتلين من جنسيات متعددة دعمت النظام في قمع الثورة. فرضت تلك الميليشيات سيطرتها بالقوة على أحياء واسعة، وبدأت عملية تغيير ديمغرافي عبر الاستيلاء على منازل المعارضين وتسليمها لعائلات المقاتلين.
“أخدوا مني ما بقي لي من والدي هو ليس منزلًا يأويني، إنما هو ذكراه الباقية معي”، هكذا تصف نادية إبراهيم (41 عاما) منزلها الذي تركه لها والدها في منطقة السيدة زينب حجيرة، والذي سيطر عليه أحد العناصر لتابعة لحزب الله اللبناني.
أوضحت ناديا لموقع تلفزيون سوريا، أنها غادرت منطقتها على إثر مجزرة ارتكبتها قوات النظام المخلوع في تموز من عام 2012 بمشاركة الطائرات الحربية، حيث راح ضحيتها مئات القتلى والجرحى من أهالي البلدة. وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
غادرت نادية إلى تركيا بعد أن فقدت الأمل في العودة القريبة إلى منزلها خاصة بعد تمركز الميلشيات في المنطقة، ليتضح لاحقاً أن منزلها تسكنه عائلة تابعة لأحد العناصر الذي زوّر أوراقا قانونية وسجل العقار باسم أحد افراد عائلته ثم باع المنزل لشخص آخر بعد أن استحوذ على عقارات.
وتابعت قائلة ” كل هذه السنين كان انتصار الثورة هو أملي الوحيد لاسترجاع حقي، جاء النصر مكللاً وأيقنت أن وطني ومنزلي عاد”، أرسلت ناديا أحد أفراد عائلتها للمنزل وفوجئت بأوراق تثبيت بيع المنزل من دون أن تعلم شيئا عن مصدرها.
لا تملك ناديا أوراقاً قانونية لمنزلها سوى طلب تصريح بناء للبلدية قبل 20 عامًا يثبت أنها قدمته لتوسيع شرفة المنزل، ليساعدها في تسجيل أوراق جديدة كونها تعيش تخوفا من صعوبة الحصول على ورقة قانونية تستعيد بواسطتها المنزل.
سلب الملكية في سوريا.. اغتيال بقوة السلاح
نظمت ميليشيات حزب الله والحرس الثوري الإيراني عمليات استيلاء ممنهجة على العديد من الأراضي والمحال التجارية والعقارات، بالترهيب والتخويف وبالتزوير في المناطق التي تعتبرها ذات قيمة استراتيجية.
حاتم من أبناء الجولان المحتل ولد وعاش في منطقة السيدة زينب، اشترى قطعة أرض ليبني عليها منزلا ويؤسس أسرة، ولكن مع بدء الثورة السورية امتنع عن ذلك خوفًا من المجهول.
ترك حاتم وعائلته منزلهم، حاله كحال معظم الأهالي بعد انتشار أعمال العنف في المنطقة، وغادروا إلى مدينة أخرى، ليكتشف لاحقًا أن أرضه بيعت لشخص مجهول دون أي تفاصيل واضحة حول من باعها وما الطريقة، ولم يتمكن من اتخاذ أي إجراء كونه أصبح مطلوبًا بتهمة معارض أي وفقاً للنظام السابق “الإرهاب”.
“سقط النظام وعدت لأستعيد حقي المسلوب”، قال حاتم لموقع تلفزيون سوريا إنه اكتشف بعد عودته أن شخصًا يدعى (ع . ي)، مدعوماً من قبل الأمن العسكري التابع للنظام المخلوع، هو من باع أرضه بالإضافة إلى العديد من الأراضي والمنازل وتم ذلك عبر عقود بيع مزورة ولكنها صادرة من المحكمة بدعم من قوات الأمن العسكري بعد التأكد من أن صاحب المنزل مطلوب للأمن أو غادر الوطن بشكل غير شرعي.
توجه حاتم للجهات المعنية في الحكومة السورية الجديدة ضمن المنطقة والتي أكدت له أن هذه العقود ستبطل وستلغى وسيتم متابعة مثل هذه القضايا مع بدء عمل المحاكم بشكلها الطبيعي، كما تم التواصل مع الشخص الذي يدعى (ع . ي) لاسترداد جميع حقوق من بيعت أملاكهم من خلاله ثم سيقدم للمحاكمة والمحاسبة القضائية أصولاً.
منذ بداية عام 2011، أصدرت حكومة النظام المخلوع مجموعة من القوانين والمراسيم التشريعية المتعلقة بحقوق الملكية، شملت الحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة لمعارضين سياسيين أو متعاطفين مع الثورة السورية، ووجهت إليهم تهما تزعم دعم “الإرهاب”.
ونص قانون “مكافحة الإرهاب” رَقَم “19” لعام 2012، في المادة “12” على أن “جميع الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، تحكم المحكمة بحكم الإدانة بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة وعائداتها والأشياء التي استخدمت أو كانت معدّة لاستخدامها في ارتكاب الجريمة، وتحكم بحل المنظمة الإرهابية في حال وجودها”.
“خسارة المنزل أو الروح”
أما يوسف فتختلف حكايته إذ أوضح لموقع تلفزيون سوريا، أنه خرج من منزله بعد مجزرة ارتكبها النظام في منطقة حجيرة، وبعد معاناة في التنقل بين منازل الإيجار لأشهر قرر العودة إلى منزله عله يكون ملجأ يحتمي به مع عائلته المكونة من خمسة أفراد.
وعند وصوله، اعترضه عناصر من ميليشيا “حزب الله” و”أبو الفضل العباس”، وقال: “وضع أحدهم السلاح على رأسي أمام أطفالي، وانهال عليّ بالضرب أسفل الظهر، ثم وضع أوراقًا على سيارتي وقال: هل تفضّل التوقيع أم لا؟ فاضطررت إلى التوقيع، ليرد قائلًا: انسَ هذا البيت، حتى لا تخسر السيارة في المرة القادمة”.
لم يتسلم يوسف أي مبلغ مقابل منزله المكون من طابقين بمساحات كبيرة، وبعد سقوط النظام عاد لمنزله كون الشخص الذي سلبه منزله غادر باعتباره أحد قادة الميليشيا، لكنه أرسل مجموعة من الأشخاص بحجة أنهم اشتروا المنزل مجددًا من المالك الذي أجبره على التوقيع تحت التهديد.
في نيسان عام 2023، كشف تحقيق استقصائي أعدته صحيفة “الغارديان” ووحدة “سراج” الاستقصائية، عن وجود أكثر من 20 شبكة أمنية مختصة بتزوير ملكية العقارات في عدد من المدن السورية الواقعة تحت سيطرة نظام الأسد الساقط.
وأشار التحقيق المشترك، إلى أن عدم توفر سجلات عدلية مركزية يعني عدم وجود بيانات ومعلومات حول حجم السرقات التي تطول العقارات في سوريا، والاستيلاء على منازل السوريين المقيمين خارج البلاد.
“السيدة زينب”.. ساحة صراع
شهدت المنطقة خلال سنوات حصاراً متكرراً وقصفاً عنيفاً، كما اندلعت في محيطها معارك ضارية، ولطالما كانت ساحة للنزاع لأهميتها الاستراتيجية كونها تحتضن مراكز ومقارّ إيرانية ولحزب الله وغيرها من الميليشيات.
المهندس حسن النميري رئيس بلدية حجيرة، أوضح لموقع تلفزيون سوريا أن المنطقة تعرضت للتدمير والتهجير لكل من خرج ضد النظام البائد.
وكانت أبرز الطرق التي اتبعت في المنطقة للتهجير التخويف بالاعتقال على الحواجز وتلفيق تهم كالإرهاب، والابتزاز المادي بمبالغ لا طاقة لهم بها، والخطف في بعض الحالات ومنها وصل للقتل او الاختفاء وفقاً لما ذكره.
مشيرا إلى عدم وجود إحصائيات واضحة لتلك الانتهاكات كون معظم سكان المنطقة تهجر ولم يعد حتى الآن، وتابع قائلًا “الحل الوحيد تقديم شكاوى وضبط بالوقائع، بعض الأشخاص ممن عاد وجد في منزله غرباء، اتجه للمعنيين بمساعدة الأمن العام وساعده باسترداد حقه عبر ضبط وأوراق الملكية، وأنا كنت من الأشخاص المستردين حقهم”.
كما ذكر حالات لا تملك أوراقًا ثبوتية، فأشار إلى أن الحل هو تقديم شهود مع صاحب العقار يؤكدون أن المدعي هو مالك للعقار بأدلة تثبت صدقهم أي مخالفة بناء أو فاتورة قديمة أو رَقَم هاتف وما شابه.
في 5 من كانون الثاني، ذكرت وزارة الإدارة المحلية في سوريا أن فترة حكم النظام السابق شهدت عمليات استيلاء على الممتلكات باستخدام التهديد أو التزوير الممنهج لعقود البيع والشراء، ما أدى إلى تعرض حقوق المواطنين للخطر، ليتم بيعها لاحقًا لمواطنين بعقود مزورة من دون علم أو موافقة مالكيها الأصليين.
هل يعجز القانون عن إثبات الملكية؟
فقد معظم السوريين أوراقهم الثبوتية بسبب التهجير والقصف والتعفيش، ويعد هذا سببًا يعيق قدرتهم على إثبات الملكية، كما أن الكثير من المنازل الواقعة في المناطق العشوائية ليست لها قيود أو سندات ملكية في الأساس، وهذا ما لعب دورًا مهمًا في انتشار عمليات التزوير بشكل أكثر توسعًا.
المحامي طراد الطحان، وهو من سكان السيدة زينب قال لموقع تلفزيون سوريا إن أبنية المنطقة وما حولها في معظمها تعد مخالفات وعشوائيات والملكية على الشيوع.
مشيرًا إلى أن أغلب سكانها هجروا قسريًا، حيث استولت الميليشيات حينها على المنازل وبعض المحال التجارية والمزارع بالإضافة إلى بعض الفنادق، وعملت على تسليمها لأهالي من حضروا للقتال في المنطقة، أو بيعها وتثبيت البيوع والفراغ بمساعدة بعض ضعاف النفوس من محامين ومعقبي معاملات عبر تزوير عقود بيع لمنازل المهجرين، على حد قوله.
من جهته أكد المحامي، أن استعادة الحقوق لا بد أن تكون بمراجعة القضاء المختص وقد حفظ القانون المدني السوري هذه الحقوق عبر عدة دعاوٍ فمن لديه ملكية بموجب القيد العقاري يستطيع إقامة دعوة “طرد غاصب” وهي دعوة مستعجله تقام أمام محكمه البداية المدنية.
وبالنسبة للعقارات التي تم تملكها بالتزوير أو تحت الضغط والإكراه المعنوي أو المادي يستطيع إقامة دعوة فسخ تسجيل أمام محكمه البداية المدنية وكذلك يستطيع من لديه ملكية على الشيوع بموجب وكاله كاتب عدل القرار حكم بتثبيت بيع بمراجعة القضاء الجزائي وذلك عبر إقامة دعوة غصب عقار أمام محكمه صلح الجزاء.
وكانت قد تقدمت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بإبلاغ عن جملة من انتهاكات حقوق الملكية وأخرى على صلة بها، إلى “محافظة دمشق” بتاريخ 27 من شباط الماضي، ويأتي هذا الإبلاغ استجابةً لآلية تقديم الشكاوى بخصوص عمليات وضع اليد أو التعدي على المنازل والعقارات السكنية التي أعلنت عنها المحافظة بتاريخ 12 من شباط 2025.
؟
تلفزيون سوريا