
غلاء الإيجارات والجشع يعكر فرحة السوريين بعد التحرير
يواجه سكان مدينة حمص، أحد معاقل الثورة السورية، أزمة سكن خانقة أثرت بشكل كبير على معاناة السوريين بعد التحرير، حيث يُعتبر ارتفاع الإيجارات أحد أبرز العقبات التي تُعكر فرحتهم بعودة الأمن والاستقرار.
وبعد سقوط نظام الأسد وتوافد السوريين العائدين إلى بلادهم، شهدت المدينة طفرة غير مسبوقة في أسعار الإيجارات، إذ تضاعفت بشكل ملحوظ لتصل إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل سقوط النظام السابق، ما جعلها تتجاوز مستويات دخل الأغلبية من الأهالي.
ويُعزى هذا الارتفاع إلى تصاعد الطلب على السكن في ظل انعدام نسب الإعمار وتأثر السوق بقانون العرض والطلب دون تدخل حكومي يحدد سقف الأسعار، وسط مطالبات أهلية بتدخل الدولة للحد من هذه الظاهرة.
وقد ساهمت عودة المهجرين واللاجئين في زيادة الضغط على سوق الإيجار، خاصةً في ظل الدمار الذي تعاني منه منازل المدينة، إذ تشير التقديرات إلى أن نسبة المباني المتضررة قد وصلت إلى 60% نتيجة قصف قوات النظام على مدار سنوات الثورة.
ما يجبر العائلات على العودة إلى منازلها المتضررة أو البحث عن بدائل بأسعار مرتفعة، مما يجعل الحصول على سكن لائق تحديًا يوميًا.
ومن بين الشهادات التي وردت، أعرب محمد المبيض، أحد سكان المدينة، قائلاً: “كان إيجار منزلي المكون من غرفتين في حي بابا عمرو يبلغ 300 ألف ليرة، وأصبح اليوم أكثر من مليون ليرة”، مشيرًا إلى أن دخل الكثيرين لا يكفي لتغطية احتياجاتهم الأساسية من الطعام والمستلزمات.
وتتفاوت الأسعار بشكل كبير حسب موقع المنزل ومساحته ومستوى تجهيزه؛ فقد يصل إيجار بعض المنازل إلى 800 دولار أمريكي شهريًا في بعض المناطق الراقية، بينما تظل الأحياء المتوسطة مثل حي القصور تشهد إيجارات حوالي مليوني ليرة سورية (حوالي 200 دولار)، وتصل الأسعار في مناطق مثل الغوطة والدبلان إلى 5 ملايين ليرة، وذلك في ظل توفير بعض الخدمات المتطورة مثل الطاقة الشمسية التي تضيف المزيد من القيمة للإيجارات.
ويواجه العائدون إلى حمص، مثل أحمد الذي عاد مؤخرًا من مدينة الباب، صعوبات بالغة في العثور على منازل مناسبة؛ حيث أكدت شهادته أن أغلب المنازل الموجودة إما أن تكون متضررة بشكل كبير أو تحتاج إلى إصلاحات مكلفة، مما اضطر بعض السكان إلى الإقامة مع الأقارب لحين تأمين عمل ومسكن. كما يواجه النازحون والعائدون من المخيمات مشاكل في تأمين فرص عمل مناسبة مع استمرار الظروف الاقتصادية الصعبة.
ويرى بعض الاقتصاديين أن ارتفاع الإيجارات يرجع إلى انخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار، ما يرفع تكاليف المعيشة. كما تؤدي ندرة الشقق المتاحة للإيجار إلى منح الملاك الحرية في تحديد الأسعار دون تدخل رقابي حكومي فعال، وهو ما أكد عليه محمد علي، صاحب مكتب عقاري، حيث أشار إلى أن قلة العرض تسهم بشكل كبير في زيادة الأسعار.
وقد دعا محمد علي إلى تشكيل لجان مختصة لوضع ضوابط تنظيمية تحدد بدلات الإيجار وفقاً لحجم ومساحة المنازل.
في ظل هذه التحديات، تستمر أزمة ارتفاع الإيجارات في حمص في فرض ضغوط اقتصادية هائلة على ذوو الدخل المحدود، مما ينعكس على مستوى المعيشة وتفاقم معاناة العائلات، في وقت تشهد فيه البلاد تضخماً اقتصادياً وتذبذباً في سعر صرف الليرة مقابل الدولار.
وتشير إحصاءات معهد الأمم المتحدة للبحث والتدريب (UNITAR) إلى أن محافظة حمص تحتوي على 3082 مبنى مدمر كلياً، و5750 مبنى مدمر بشكل بالغ، و4946 مبنى متضرر جزئياً، ليصل مجموع المباني المتضررة إلى 13778، ما يؤكد حجم الأزمة السكنية التي تواجه المدينة.
تظل مشكلة ارتفاع الإيجارات في حمص رمزاً للتحديات الاقتصادية التي تلاحق الشعب السوري بعد سنوات من القتال والدمار، وتبرز الحاجة الملحة لتدخل حكومي عاجل ينظم سوق العقارات ويحمي المواطنين من الانهيار الاقتصادي المتزايد.
؟
علا ابو صلاح – حمص