ثلاثة آلاف منّا بأوربي واحد .. د. أسامة الملوحي

كل الفضائيات وكل الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة هذه الأيام تفرغت لتفجيرات بروكسل تفرغا عجيبا الملوحي1فريدا وكل التصريحات السياسية للمسؤولين العرب تسابقت بالإدانة الشديدة وأظهر العرب التعاطف الشديد إلى درجة أن أحدهم رسم دمعة على وجهه وهو يعزي مسؤولة في الاتحاد الأوربي تزور عمان ,وانا بلا شك أدين التفجيرات حتى لا أوصف بالإرهاب كما وصفت بمعاداة السامية عام 2011 لأنني قلت أن اسرائيل شريكة بالدم السوري لأنها تضغط على أميركا وأوربا ليبقى الأسد….أنا أدين التفجيرات بل كل السوريين يدينون التفجيرات….يدينون هذه التفجيرات ويدينون كل التفجيرات التي حدثت في أوربا خلال السنوات الماضية يدينون بشدة ولكن لدى السوريين أرقام تقفز أمام أنظارهم وهم يُدينون ….أرقام تقفز وتُحزن:
سقط في العمليات الإرهابية في دول الاتحاد الأوربي خلال خمس سنوات أقل من 250 قتيل وسقط بالعمليات الإرهابية في سورية مما علم 750 ألف قتيل خلال الخمس سنوات نفسها…أي أكثر من ثلاثة آلاف ضعف …وعدد سكان الاتحاد الأوربي أكثر ب 22 ضعف من عدد سكان سورية …أي أن نسبة الذين قُتلوا في سورية إلى عدد السكان أكثر ب 66000…ست وستين ألف ضعف من الذين قُتلوا في أوربا نسبة إلى عدد السكان…ولكن نسبة البكاء الأوربي على ضحاياهم بلغت أكثر من ستة ملايين ضعف من اهتمامهم بالذين سقطوا في سوريا…بقياس المدة الزمنية لتغطية الإعلام الأوربي لقتلى المنطقتين…
ولأن تفرغ وسائل الإعلام أمر واجب وربما فرض على الإعلاميين الموظفين ولأن الأخبار قليلة والتعليقات كثيرة في فترات التغطية المستمرة فقد نشط الخبراء والمتخصصون بشؤون الجماعات الاسلامية كما يحلو لهم أن يُسمّوا أنفسهم…نشطوا من جديد وانبعثوا متحمسين فتطرقوا لأسباب الإرهاب المباشرة وغير المباشرة وتعمقوا كثيرا بل في الحقيقة كرروا ما ذكروه مرارا عن الأسباب البيئية والثقافية والدينية والمعاشية التي تدفع شبانا مسلمين أغلبهم وُلد في الغرب لمهاجمة الغرب وقتل الغربيين….و هؤلاء الذين ازدحمت مواعيدهم في عشرات القنوات العربية التي تفرغت للحدث ذكروا أسبابا كثيرة وعديدة قريبة وبعيدة …ذكروا كل شيء محتمل وأوردوا كل ما قرؤوه في الكتب الأكاديمية والبحثية وما توصلت إليه الدراسات …
ذكروا كل شيء إلا السبب الرئيسي الصريح الذي يؤدي فعلا إلى تجنيد الأفراد وصناعة الخلايا النائمة واليقظة …ألا وهو الإقناع
الإقناع هو السبب وهو الحل .
هل يعتقد أحد جاد بطرحه أن الجماعات التي تنفذ هذه التفجيرات تقود عناصرها إلى ذلك بالإكراه….هل تقودهم للتدريب والتجهيز والتنفيذ بالإكراه والإجبار أم هي تقنعهم بذلك؟ هذا هو السؤال.
كل الجماعات التي تنفذ العمليات التي يصفها الجميع بالإرهابية ويصفها أصحابها بالاستشهادية…كل الجماعات تستخدم الإقناع بل الإقناع العميق والعميق جدا… إقناع لدرجة التلبّس ( تلبّس الأفكار)…هذا الإقناع العميق هو فقط الذي يدفع الفرد إلى تنفيذ ما يؤمر به.
هذه هي الحقيقة التي يتجنبها كثيرون كي لا يكشفوا عجزهم وعدم قدرتهم على الإقناع المضاد.
بعض المحللين يقول :هؤلاء الشباب عاطلون ومهمشون ومنبوذون وفقراء وكارهون لحياتهم ….وعندما تذكر أمثلة عديدة لمن هو ثري وحامل لشهادة ومن حياته الاجتماعية مستقرة هانئة يحير المحلل في تحليله ويحيلك مرة أخرى إلى المجهول.
كل العوامل والأسباب التي يكثر من ذكرها “الخبراء في شؤون الجماعات الاسلامية” هي بلا شك قد تساعد وتهيئ وتثير وتستفز ولكن السبب الرئيس يبقى هو الإقناع.
الإقناع أولا أن المستهدف عدو وأن هذا العدو حاقد كاره للإسلام وأهله …ثم الإقناع بأن لا فرق بين من هو في السلطة ومن هو مواطن مدني عادي ثم الاقناع بأن لا وسيلة تجدي مع هذا العدو إلا القوة والقتل.
ويمر هذا الإقناع بمحطات عديدة واستشهادات محرِّضة حاضرة ويستدعي الخطاب عبارات ومصطلحات محفزة :
“فالعدو صليبي يدعم المستبدين في البلاد الاسلامية ويدعم الاعتداءات الصهيونية في فلسطين ويقتل المسلمين في العراق وسورية ويواجه الدولة الاسلامية وجنودها ويحارب الحجاب ومظاهر الالتزام الاسلامي وأمور أخرى كثيرة”
وبوجود تيارات يمينية مسيحية أوربية متنامية وطروحات عنصرية قوية ضد الاسلام والمهاجرين وحملات دعائية متكررة لتشويه سيرة النبي ومظاهر الإسلام يجد هذا الخطاب المحرض سماعا وقبولا وإقناعا.
وفي خضم استعراض ما سببه الغرب في بلاد المسلمين يضيع التفريق بين المسؤول والمواطن العادي ضياعا تاما في هذا الخطاب.
وهذا الإقناع يؤسَّسُ ويؤصَّل بلا ريب بشواهد من القرآن والسنة وأقوال السلف والخلف.
ولن يستطيع الأوربيون ولا الأميركيون ولا غيرهم أن يحرزوا أي نجاحات حقيقية على المدى البعيد لمنع عمليات التفجير العشوائية والقتل الاعمى داخل مدنهم وشوارعهم حتى لو بذلوا كل ما يستطيعون من شدة وملاحقة وقطع إمداد لأن كل ذلك لا يعالج السبب الرئيس الا وهو الإقناع…والإقناع الذي جنّد لن يتوقف إلا بقدرة مقابلة بما يمكن أن نسميه الإقناع المضاد..: إقناع بالحجة ومقابلة حجة بحجة وتفكيك الحجج بالحجج وتحتاج الحجة بلا ريب إلى ما يلائمها من ظروف وأجواء. فلا يمكن أن يُسمع كلام تحت ضغط عنصرية وتمييز ومكيالين….مكيالين حتى في الحزن على من قتل ظلما فيحزنون حزنا شديدا على عشرات قُتلوا عندهم ظلما وعدوانا ولا يحزنون على مئات آلاف قُتلوا ويُقتّلون ….في كل يوم قد يُقتل منهم مالم يُقتل في أوربا في خمس سنين.
الإقناع المضاد هو السبيل الوحيد لمن يريد وأهل الإقناع المضاد المرشحين هم المشايخ ولكن أغلب المشايخ المرضي عنهم من الحكومات عاجزون من ناحيتين: أولاهما أنهم لا يملكون المادة المضادة ولا الحجة المقابلة وليس لديهم أصلا تجديدات ولا طروحات في الفقه السياسي والجهادي وكل ما يعودون إليه ويعتمدون عليه في الكتب يوجد في غيرها عند غيرهم ما يسكتهم… ومن ناحية أخرى هم مختومون بختم السلطان ومن خُتم بختم السلطان فقد الصلاحية من تاريخ الختم والإنتاج….وسيصبح قوله باطلا مهما اعتصر من حجج.
قد لا يصل هذا الكلام إلى الأوربيين وغيرهم وقد يستمرون في حلقة مفرغة تستنزف أمنهم واقتصادهم وقد يستمرون في إجراءاتهم العبثية وقد يوهمهم أكابر المستبدين في المنطقة العربية بعد كل حادثة أن الحل في الشراكة معهم , كبشار الأسد الذي صنّع وأدار وصدّر أبشع أنواع الإرهاب وظهرت دلالات ذلك إلى العلن مرات ومرات… مرة على لسان حسون ومرة بوثائق أبي القعقاع وما عند أجهزة الأوربيين الاستخبارية من أدلة ووثائق أكثر وأوثق ,ولكنهم لا يفعلون شيئا ويستجيبون لدعاية بشار المضللة ويظهرون أمام السوريين وكل المسلمين أنهم يريدونه ولا يريدون رحيله وفي ذلك ومثيله أسرع وأقوى حجة لإقناع و تجنيد آلاف وآلاف بلا حدود إلى ما لا نهاية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى