فقط إزاحة بشّار هو هدف الثوّار .. د.اسامة الملوحي
بسم الله الرحمن الرحيم
وُضع أساس المفاوضات بين النظام والمعارضة في فيينا وكانت هذه البداية سيئة ومهينة للغاية لكل ممثلي قوى الثورة والمعارضة سواءا كان تمثيلهم حقيقيا أو مصطنعا لأن اللاعبين الكبار بالقضية السورية لم يوجهوا دعوة واحدة لأي سوري على الاطلاق ولا حتى بصفة مراقب أو مستمع وكان النظام حاضرا عبر إيران و روسيا اللتان تديران الشأن الداخلي و الخارجي للنظام بشكل شبه كامل .
ولم يُصدر الائتلاف أي بيان يحفظ له و للسوريين الثائرين هيبتهم ويعترض على تغييب السوريين عن تقرير مستقبل بلادهم…ولمّا كُلفت الرياض باختيار واستدعاء تشكيلة من المعارضين وممثلين لبعض الفصائل واجتمعوا هناك لتُملى عليهم قرارات فيينا جملة وتفصيلا …وحضر ممثلون حقيقيون لفصائل هامة تحت ضغط وعود أن يكون هناك مساعدات مالية وعسكرية مؤثرة في تعديل ميزان القدرات بين الفصائل والنظام واستجاب أغلب الحاضرين في الرياض للضغوط وراحوا يقصقصون مطالب وثوابت الثورة ويقلّصون ويضغطون ويغيّرون ويعدّلون ليصلوا إلى إطار فيينا الصغير المستفز…
ففي هوية الدولة استجابوا لما حدده اللاعبون الكبار وأسكتوا من حاول أن يضيف مبادئ مرجعية خاصة تلازم الهوية…وعندما وصلوا إلى مؤسسات الدولة اتفقوا على الحفاظ عليها وكأن سورية امتلكت دولة في يوم واحد قبل الثورة… وعندما وصلوا للجيش واجهزة المخابرات جمعوا ليتوافقوا بين عبارتين إحداهما تنسف الأخرى فقالوا ” إعادة هيكلة وتشكيل المؤسسات الأمنية والعسكرية” وضاعت كلمة الإعادة بين الهيكلة و التشكيل…واستمروا في ذلك يسيرون باتجاه نهايته رفض قطعي كامل من الثوار والمقاتلين على الأرض السورية لما وافقوا عليه إلّا أن كابحا أوقف تدهورهم نحو الهاوية السحيقة فاتفقوا بشان بشار الأسد :
“أن يغادر وأركان ورموز حكمه سدة الحكم مع بداية المرحلة الانتقالية”
جملة طولها أقل من سطر اوقفت التدهور والتهاوي وحفظت للمؤتمرين الحد الأدنى المقبول لدى الثوار وفصائلهم المقاتلة…بهذه الكلمات خرجوا من دائرة الرفض و التبرؤ الشعبي منهم ومما وصلوا إليه….
بهذا الإعلان للأساس الثابت وهو رحيل بشار الاسد كأول خطوة للحل السياسي القادم ابتعد عن الوفد المفاوض المعارض شعار “لا يمثلني” وهو شعار ثوري سوري أنتجته الثورة السورية وله قوة وحسم يعلمهما جميع المعارضين والمتعارضين…
ولأن بشار الأسد ذروة هرم استبدادي إجرامي مقلوب…هرم قاعدته العريضة للأعلى و يرتكز على ذروته المقلوبة إلى الأسفل فعلى الثوار السوريين الذين يرفعون عدة ثوابت للثورة السورية أن يدركوا اليوم أكثر من أي يوم مضى ما هو قاسم الثورة المشترك ومفتاحها الوحيد وأن يركّزوا مطالبهم وقتالهم ومفاوضاتهم على تحقيقه ألا و هو إزاحة بشار الأسد عن السلطة ….فقط إزاحة بشار عن السلطة … فبشار الأسد في أسفل هرم مقلوب إذا انزاح تداعى سائر الهرم بالانفراط والتدحرج وأغلب كتل هذا الهرم كتلٌ مخابراتية قمعية أسست نظام آل الأسد وجُبلت معه وسُكبت و تصلبت به منذ السبعينيات وستفقد تماسكها وصلابتها إن زال الأسد….و التطلع إلى زوال ذروة هرم الاستبداد في سوريا أسكت كثيرين وأوقف كثيرين ونقل الجميع إلى موقع التريث والمتابعة والترقب.
و بلا أدنى شك أن الوصول في هذه النقطة المحورية مع وفد يمثل النظام و كل أعضائه من المخابرات الفعليين أو الفخريين هو أمر أقرب للهستيريا بل للجنون الكامل… أن تفاوض مجموعة لتقنع أفرادها بالانتحار, وكل حين يؤكد ممثلو النظام أن مصير بشار ليس مطروحا للتفاوض والباب إليه موصد وفي نفس الوقت ليس أمام وفد المعارضة من صلاحيات ولا من تفويض إلا أن يمروا عبر هذا الباب وطرح باقي الأمور والتفصيل الشديد فيها غرض للنظام ولن يجني منها وفد المعارضة شيئا غير توفير الوقت للنظام ليستمر في تمدده العسكري.
تمدد عسكري مستمر متسارع لاهث للوصول إلى فرض واقع ميداني جديد يثبّته وقف دائم لإطلاق النار…وقف لإطلاق النار سيكون الشغل الشاغل لديمستورا في النصف الثاني من شهر نيسان ولن يستطيع بعده أي فصيل أن يستعيد شبرا واحدا من النظام بدون أن يخرق وقف إطلاق النار.
ووقف إطلاق النار ليس كالهدنة فالهدنة كانت تفاهما أوليا ووقف إطلاق النار اتفاق دائم موقّع موثّق مشهود ويكفي أن نعلم في متانة مثل هذه الاتفاقيات أن ما بين نظام الأسد واسرائيل اتفاقية لوقف إطلاق النار منذ عام 1974 وهي أطول وأنجح اتفاقية بين خصمين في الشرقين الأوسط والأدنى وسيكون أمام النظام والميليشيات المتحالفة معه شهر عسكري إضافي لقضم المزيد من الأرض في ريف دمشق وحوران والساحل وحلب بوجود الغطاء الجوي الروسي.
وفي نفس الوقت سيستمر النظام في بحثه وسعيه عبر وسطائه وشركات العلاقات الغربية لعقد صفقة مغرية مع الإدارة الأمريكية واسرائيل كما فعل بعد مجزرة الكيمياوي.
ورغم أن الجعفري ختم جولة آذار في جنيف بنسف جديد لمادة المعارضة الوحيدة في التفاوض فأكد مجددا على أن مقام بشار الأسد ليس موضعا للتفاوض فقد استلم المعارضون هذه الخاتمة بروح رياضية أولمبية “روح الهواة” وتحلوا بالصبر والكياسة واللين وأعلنوا عن استمرارهم في المفاوضات , وهذا غريب حقا … بل غريب ومريب إلا إذا كان وفد المعارضة يفاوض من بيده القرار من الروس من وراء ستارة وفد النظام المهلهلة ليصل إلى ثابته الوحيد “رحيل بشار الأسد” باي شكل ممكن…
أو أن يكون الأمر درءٌ للذرائع ونزعٌ لورقة سوداء من يد النظام الذي لا يريد من المفاوضات التي أُكره عليها إلا أن يلقي تبعة فشل المفاوضات على المعارضة.
و فرض نظام بشار الأسد على الجميع مسرحيته الساخرة في إجراء انتخابات مجلس الشعب وفرض عليهم أن ينتظروا انتهاء هذه المسرحية قبل أن يعود إلى جنيف.
النظام يكسب الوقت ليكمل حسمه العسكري بإشراف روسي وأميركا تعلم ذلك وأقصى ما فعله كيري هو تذكير للافروف أنه أكبر منه سنا وأن على لافروف أن يحترم فارق العمر بينهما, هذا إن كان كيري معترضا أصلا على الخطة الروسية فما صدر عن موسكو في نهاية المداولات المطولة مع كيري أن واشنطن تفهمت ووافقت على أن لا ضرورة لبحث مصير الأسد في هذه المرحلة,
و على هذا المشهد الختامي لجولة مفاوضات آذار في جنيف ليس أمام وفد المعارضة ليَخرج سالما من بين الذئاب إلا ثلاثة أمور:
- أن يُبلغ وفد المعارضة الفصائل المقاتلة بخطة النظام ومن معه “وكل الكبار معه”, وأن لابد من تعديل الخرائط ميدانيا على الأرض لصالح الثوار وفي كل الجبهات ومهما كلف الأمر.
- أن يعود الوفد إلى جنيف في نيسان ليفاوض الروس وأن لا يلق بالا لوفد النظام إلا كناظرٍ مُكرَه عبر زجاج عاتم إلى ما وراءه.
- أن تشكل الهيئة العامة للمفاوضات لجنة تفاوض الحاضنة الموالية للنظام حتى لو كانت غير حاضرة …يفاوضوا مندوبا اعتباريا مفترضا على كرسي فارغ فيضعوا كل الاحتمالات المفترضة التي في ذهن الموالين ويضعوا لها الحلول والتطمينات ويعلنوها مكتوبة مشهودة فليس هناك وقت أقرب لتخلي الحاضنة عن بشار من هذا الوقت بعد خمس سنين وصمود متين وإرادة للثوار لم تلين وهتافات انتهت إلى ما بدأت به…الشعب يريد اسقاط النظام.
وفي النهاية هي إرادات تصطرع وتضحيات تنتظر الوفاء وجهود تُبذل ولكل مجتهد نصيب.