خلايا ممانعة نائمة في قلب «فرانس24» … وزافين يقدم للبنانيين أوبرا مزيفة.. بين حرب الوسائد وحرب البراميل

مع الحلقة الأخيرة من برنامج «منتدى الصحافة» على قناة «فرانس24»، وجاءت بعنوان «لبنان، أزمة الصحافة الورقية»، صار بالإمكان أن تنضم القناة الفرنسية رسمياً إلى إعلام الممانعة، أي قنوات «المنار»، و«الميادين»، وربما قنوات النظام السوري، إذ يصعب أن تجد، إلا في تلك القنوات، من يمجّد إعلام الممانعة على هذا النحو المفرط، والذي لم يرد أن يموّه نفسه بأي شبهة حياد أو موضوعية.
العنوان هو «أزمة الصحافة الورقية»، تلك التي طالت صحفاً عديدة عبرت بوضوح عن أزمتها، كـ «النهار»، و»المستقبل»، وسواها، فلماذا بدت الحلقة كأنها جاءت لتدافع فقط عن «السفير»، وهي حتى لو استضافت، إلى جانب ناشر «السفير»، طلال سلمان، إدمون صعب، من زميلتها «النهار»، فلم تكن مقدمة البرنامج كوزيت ابراهيم لتزيح عينها عن «السفير».
يكفي هنا أن نتابع التقرير الاستهلالي للحلقة حتى ندرك أي خرق يصيب القناة الفرنسية، وأي خلايا ممانعة نائمة أخذت تستيقظ وتضرب بين جنباتها. فهو أولاً يتخصص في رثاء وتمجيد «السفير» ويستثني زميلاتها، اللواتي يعشن الأزمة نفسها، ولسن أقل خبرة وعراقة.
التقرير أعدته كارمن جوخدار، ومن الواضح أنها كانت تلقيه فيما ترتدي بدلتها العسكرية، حيث الخطابة والتأثّر يغلبان القول، إلقاء لا يشبه حتى ذلك الإلقاء المعتاد في «فرانس24»، الذي لطالما عثرنا فيه على أسلوب وأداء أقرب إلى الحياة، لا إلى البلاغة الفاقعة لبعض القنوات العربية.
كاد صوت جوخدار يرتجف وهي تقول وتكرر «شائعات» من قبيل «صحيفة لبنان في الوطن العربي وصحيفة الوطن العربي في لبنان»، «وضعت القضية الفلسطينية على رأس اهتماماتها»، «الانحياز إلى المحرومين رافعة شعار صوت الذين لا صوت لهم».
خطبة فاقعة ساقها التقرير، حول أن الصحيفة دفعت ثمن مواقفها دماً، ومحاولات اغتيال. ولا ينسى التقرير أن يستثمر مرور أسماء كبار في الثقافة العربية على صفحاتها (حبذا لو ساق التقرير آراء بعض منهم اليوم في تلك الصحيفة)، وكذلك أن الفنان الراحل ناجي العلي رسم على صفحاتها.
بالإضافة إلى ذلك، استعان التقرير بإعلامييْن، الأول ليمدح «السفير»، والثاني.. ليزيدها ثناء. هكذا أطلق سامي كليب، مراسل الصحيفة، وأحد المقربين جداً من رأس النظام السوري بشار الأسد، عبارة، يبدو أنه أرادها للتاريخ: «جريدة «السفير» هي قضية، والقضايا لا تموت».
لا ندري إذاً لماذا ذهب «منتدى الصحافة» من باريس إلى بيروت، إذا لم يرد أن يلتقي الأصوات العديدة المختلفة حول أزمة الصحافة في لبنان، وماذا عن الناس، قراء تلك الصحف، أي حضور لها في حياتهم ويومياتهم، هل فعلاً يشكل «غياب السياسة»، حسب طلال سلمان، معضلة صحافية، بمعنى أن البطالة السياسية ستنعكس بطالةً إعلامية، ثم من قال أساساً إن هناك بطالة سياسية في قلب هذه العاصفة التي يعيشها لبنان والشرق الأوسط، والتي يفترض أن تنتعش فيها الصحافة والإعلام لا العكس. ولماذا ينحدر دور صحيفة، من صحيفة سوقُها العالم العربي العريض (كما كانت تحلم)، لتصبح لسان حال حزب إرهابي، لن يتردد سلمان في الحلقة ذاتها في وصف زعيمه بـ «القائد الفذ الذي أنجز إنجازاً عظيماً».
في سياق الحلقة لم يُقَل الشيء الكثير، سوى ما أرادته الحلقة تمجيداً، إلى جانب قليل من الرثاء لحال الصحافة عموماً.
غمزتْ كوليت ابراهيم من قناة «الخبثاء» الذين يقولون إن توقف صحيفة سيعود بالضرر على موظفيها وكتابها لا على مالكيها، لكنهم خبثاء حسب الزميلة، وكان واضحاً أنها قررت الوقوف في صف «مالكيها»، لا في صف زملائها.
لم يعد المرء، مشاهد القناة، يطمح في أن تكون القناة الفرنسية، التي ما زالت متابعة ومحبوبة في بعض برامجها، على القدر الذي نحلم به من الموضوعية والمهنية، أقصى ما نحلم به أن لا تتحول القناة برمتها إلى خلية نائمة في قلب العاصمة (والسياسة) الفرنسية.

أوبرا مزيفة

ضجّ لبنان واللبنانيون بخبر زيارة نجمة الإعلام الشهيرة أوبرا وينفري إلى بيروت للمشاركة في برنامج لزافين قيومجيان، ولم يكن الأمر سوى واحدة من «أكاذيب نيسان» الكثيرة في ذلك البلد. قال، أراد زافين أن يختبر ردود فعل معجبي أوبرا، وكيف سيستقبلونها بعد سبع سنوات على انطفاء برنامجها الأشهر. ولّف الرجل، وفريقه، الكذبة جيداً، جاءوا بسيدة هندية شبيهة، وصمّموا مسرحية، الله وحده يعلم كم كلّفت، وبحثوا عن أشد ثلاث معجبات كي يختبرن عن قرب كيف يكون اللقاء.
المحصلة، كنا أمام مشهد مائع فعلاً، ثوان فقط استغرقتها المعجبات لاكتشاف أن السيدة ليست أوبرا، فأي معنى لذلك، أي قيمة تضيفها تلك المسرحية، التي حتى لو لم تكلّف شيئاً، فهي تكلف الناس على الأقل وقتهم.
يزعم برنامج زافين أنه عن «الحياة والمجتمع والإنسان»، وأنه «يقدّم قراءة مهنية مختلفة في أبرز الموضوعات والقضايا والهموم، المهمشة منها، وتلك التي تحتل العناوين الرئيسية»، إلى «تقديم ما هو مختلف، ويتجرأ على دخول المناطق المحظورة».
لكن معظم ما يقدمه زافين يعالج على طريقة «أكبر صحن تبولة»، و«أكبر قرص فلافل». ليس الذهاب إلى النافر في الحياة «خبطة» بذاته، فغالباً المعالجة هي المسألة.
في بلد يغص بالحياة والقصص والناس يخترع زافين طبقاً إعلامياً زائفاً. أوبرا زائفة، تكشف بدورها عن إعلاميين زائفين.

بين حرب وحرب

لا يمكن أن تجد فيديو (بثته بي بي سي) أكثر إمتاعاً من ذلك الذي صُوّر في عواصم عالمية عديدة في اليوم العالمي لحرب الوسائد، في برلين ولندن وهونغ كونغ، وتايوان.
في هذا اليوم النيسانيّ شهدت تلك المدن معارك وحروباً ناعمة بوسائد بيضاء محشوة بالريش. وسائد ملونة وزاهية، أخذت شكل شخصيات كرتونية.
ألوان، وريش أبيض، مرح وضحك وشهقات عالية. لا يسع المرء إلا أن يغيب حالماً.
وفي هذا اليوم الربيعيّ أيضاً تشهد مدن أخرى قصفاً على مشفى. غبار يغطي كل شيء، صيحات وحديد يتناثر في السماء. كان ذلك في دير العصافير في دمشق. هل هناك أجمل من هذا الاسم؟ إنه أجمل اسم لأفظع مجزرة.

 

راشد عيسى | القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى