هند صبري وندوب الوطنية… الفنانون السوريون وتحدي التطبيع… وأسئلة متأخرة لأدونيس .. راشد عيسى
التعليقات، منذ تغريدة النجمة هند صبري بخصوص مشاركتها في «الرحلة الذهبية»، وهي موكب للمومياءات الملكية بين متحفين، لم تهدأ، سخرية وغضباً لتمثيل تونسية للمصريين في الحدث العظيم! ومع أن صبري ليست وحيدة في ذلك الحدث، ومع أنها تعمل منذ أكثر من عشرين عاماً في «أم الدنيا»، وفي أرشيفها أكثر من ثلاثين عملاً مصرياً، للسينما والتلفزيون والإذاعة، إلا أن الوطنية المصرية أبت أن تتصدّر تونسية هذا الموكب الفرعوني الملكي، وربما كان هذا العنوان بالذات ما حرّك لديهم هذا العَرَض بالغ العنفوان، إذ كيف يندس غريبٌ في الموكب الأصيل!
حادثة ليست فريدة، إنها عريقة وقديمة قِدَم ظهورِ وصفِ «أم الدنيا». لقد ولد وعاش المخرج السينمائي محمد خان في مصر لأم مصرية ولأب باكستاني، ورغم كل ما قدّم من أفلام هي من عيون السينما المصرية لم يحظ بالجنسية المصرية حتى قبل عامين من وفاته (2016)، ولطالما أحرجه أن يقدّم عند دخوله بلده مصر جواز سفر بريطانياً.
لا تريد مصر أن ترى كيف يتنقّل لاعبو كرة القدم بين الأندية ممثلين لبلدان غير بلدانهم، ولا أن ترى كيف بإمكان لاجئ، أو أي مهاجر لبلاد الغرب أن يحظى بجنسية ذلك البلد بعد سنوات فقط من العيش فيها مهما كان عادياً. بل ويستطيع أن ينتخب ويشارك بصنع القرارات المصيرية.
قصص العنصرية ورفض الآخر تملأ العالم اليوم، تبدو كأنما هي الأصل فيما قوانين محاربتها تمثيل بتمثيل. تستطيع هند صبري والمتعاطفون معها أن يعزّوا أنفسهم بما يجري في الولايات المتحدة على سبيل المثال. فهذا فيديو لمسؤول أمريكي من أصول آسيوية يضطر، لمواجهة العنف المتصاعد ضد الأمريكيين من أصول آسيوية، أن يخلع قميصه في ندوة عامة، وأمام الكاميرات، ليكشف عن ندوب بارزة قاسية في صدره، قال إنها جراء خدمته لعشرين عاماً في الجيش الأمريكي، فهل كان ذلك كافياً لإثبات وطنيته!
هل تحتاج هند صبري لإظهار ندوب مماثلة كي تثبت وطنيتها المصرية، هل سيكون ذلك كافياً أصلاً لو حدث؟ نحسب أنه حتى ذلك لن يجدي، فهنا، وهنا فقط، القانون هو القانون، والعصبية هي العصبية، والآخر سيظل غريباً إلى ولد الولد!
أدونيس
في حديثه لبرنامج «سهرات باريسية» في إذاعة «مونت كارلو الدولية» قال أدونيس إن «بنية النظام السوري طغيانية مثل كل الأنظمة العربية. تغيير السلطة لا يكفي، يجب تغيير بنية المجتمع ومؤسساته وثقافته، فالعرب جربوا هذا، منذ الانقلابات العسكرية، وكل انقلاب أسوأ من الآخر. أنا ضد حصر الثورة أو الصراع بتغيير الأشخاص. ما دام الدين مرجعاً فلا شيء سيتغير، وما دام الدين مرجعاً يستحيل التقدم. وإذا كانت المعارضة تتبنى الدين فهي نظام آخر. أنا ضد النظام، وضد هذه المعارضة التي ليست إلا قفا النظام».
أدونيس: «بنية النظام السوري طغيانية مثل كل الأنظمة العربية. تغيير السلطة لا يكفي، يجب تغيير بنية المجتمع ومؤسساته وثقافته».
بودّي لو يحمل صحافيٌ بعض الأسئلة إلى الشاعر المولع بالأسئلة، في أول مقابلة ممكنة: ما هي الطريقة التي يقترحها أدونيس لتغيير بنية النظام السوري ومؤسساته وثقافته؟ هل يجد أن البنية الطغيانية للنظام السوري مماثلة لما هي عليه بنية النظام التونسي، المصري، الجزائري.. لماذا نجح التغيير في تونس على الرغم من أن هذه كانت نبعاً يصدّر الجهاديين؟ أليست عبارة «بنية طغيانية مثل كل الأنظمة» فيها تخفيف للوحشية الاستثنائية لنظام الأسد عبر وضعه على نفس سطر الأنظمة الأخرى؟ ثم ما دخل الثورة السورية إن كان الدين مرجعية معارضتها (إن صحّ ذلك طبعاً)، فلعلك تعرف أن التظاهرات ولدت في الشارع لا في عقل الأحزاب أو المؤسسات المعارضة. إلا إذا كنت تقصد أن الثورة نفسها (تظاهرات الشارع) مرجعها الدين، وعندها سنطالبك بإجراء بحث يثبت طابعها الديني غير أهزوجة خروجها من الجامع. وهنا نقترح لبحثك الاعتماد على الكم الهائل من فيديوهات التظاهرات المتوفرة بين يديك ساعة تشاء. هل تعتقد أن مشاركةً ما في الثورة (لو حدثت) من قبلكم وقبل الحياديين والرماديين والأقلويين والمعترضين على «تديّنها وطائفيتها»، كانت لتنشلها وتصوّب مسارها؟
لن نصل إلى مطالبتك بتوضيح موقفك المؤيد من الثورة الإسلامية في إيران، ما دامت لديك هذه الحساسية الفائقة تجاه الدين، لأننا في العمق (وهذا تعبيرك المفضل) نعرف الجواب.
تحدي التطبيع
يطرح كاتب السيناريو التلفزيوني السوري فادي قوشقجي على صفحته في فيسبوك سؤالاً يستطلع آراء الفنانين السوريين: «ما موقفكم من احتمال عرض دعاية تجارية لشركة إسرائيلية (أو مشتركة عربية إسرائيلية) ضمن مسلسل سوري، أو نصف سوري؟ كيف تنظرون إلى هذا الأمر؟»، ويضيف «مقاطعة العمل، أم المحطة؟ إلى أي مدى يحمّلون المنتَج السوري أو المشترك وصناعه مسؤولية هذا الأمر؟ وهل يطلبون موقفاً أو تصرفاً محدداً إزاء هذه الحالة إذا وقعت؟ أعرف أنه مجرد احتمال، لكنه وارد جداً في ظل حميمية حالات التطبيع الأخيرة».
واضح أن الكاتب يطرح أسئلته تحديداً في ظل المناخ الجديد الذي يشيعه التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، وهو ما يقصده بالـ «حميمية»، مع إقامة عدد من نجوم الفن السوري الموالين لنظام الأسد في دولة الإمارات، ومع تولّي هذا البلد لعرض أو إنتاج عدد من الأعمال الدرامية السورية أو المشتركة.
السؤال ليس سؤالاً تماماً بقدر ما هو جواب، فالكاتب، صاحب السؤال، يعرف ما سيكون عليه جواب أي فنان سوري، إن تجرّأ أساساً على الجواب. والسؤال متأخر بعض الشيء، فلم يبق لشهر المسلسلات سوى أسبوعين، وبالتالي فإن من ضرب ضرب، ومن هرب هرب.
ما لا يعرفه الكاتب أن طرح السؤال يحرج نظامه قبل أي أحد آخر، فهو صامت تماماً إلا من بيان خجول عن التطبيع الإماراتي – الإسرائيلي. كيف يعترض وهو يعلم أن الإمارات مدّت له يد المساعدة والإنقاذ على الدوام، وهي من يروّج اليوم للمطالبة برفع قبضة قانون قيصر.
لا شك إذاً في تواطؤ النظام، على الأقل، مع ذلك التطبيع الحميم، وإلا لكان شغله الإعلامي الشاغل محاربته. كان أكثر ما يخشى الفنان السوري حين يغادر بلاده لمهرجان سينمائي أو مسرحي أن يظهر معه إسرائيلي في صورة، ولو بالمصادفة، أو إجراء مقابلة صحافية مع إسرائيليين مموهين، إلى آخره من احتمالات، أما اليوم فلعلّهم يتصرفون في ظل صمت وضوء أخضر ساطع.
دعاية إسرائيلية في مسلسل تلفزيوني؟! الحميمية أعمق من ذلك بكثير.
كاتب فلسطيني سوري