كيف ظهر سائق «التوك توك» في اليوم العاشر… «الميادين» تبكي المسيحيين… وخامنئي يهيمن على فضاء الإعلان
ظهر سائق «التوك توك» المصري أخيراً، بعد غياب عن الأنظار أثار تخمينات باعتقاله من أجهزة الأمن المصرية، إثر صرخته الشهيرة، التي اعتبرت ضمير مصر والمواطن المصري في وجه الطغاة.
هذه المرة ظهر السائق، كما لو أنه النمر بعد أن أمضى يومه العاشر في القفص؛ خفيض الصوت، مبتسماً على الدوام، محتضناً طفليه، وتقريباً لسان حاله يقول «لا، أنا ولا حاجة»، لست جورج كلوني، حتى تثار حولي كل تلك الضجة، هناك من هو أحقّ مني بالاهتمام، الشهداء، وأمّنا العظيمة مصر، ثم لماذا تتلقّفون الأنباء من هنا وهناك، عليكم بالخبر اليقين من مواقع «رئاسة الوزراء»، و«القوات المسلحة»، و«موقع الداخلية».
لكن ذلك كله لا يجعل المرء أقل تعاطفاً وتضامناً مع ذلك السائق المصري، فظهوره الثاني ليس سوى تأكيد للأول، لولاه لما فهمت تلك الغضبة الأولى. كل من رأى سيعرف أن الرجل قد أكل نصيبه، على الأقل، من التهديد، بأن لا يعرف الذباب الأزرق له مطرحاً. كأنهما حلقتان من مسلسل، في الأولى قهر وألم وغضب في وجه الطاغية، وفي الثانية يزج الطاغية بالمواطن في القفص، يحقنه بكل أصناف المهدئات والمحبطات.
لا نستبعد أن تكون هناك حلقة ثالثة يقول فيها الشاب: الفيل يا ملك الزمان، الفيل يا سيسي الزمان، نرجوك أن تنجب مزيداً من الفيلة، وتفسح لهم أن يدوسوا الناس، فما هؤلاء سوى «توك توك»، وما تلك إلا «مصركم العظيمة».
ابحث عن المجزرة
من دون أي مواربة، تعلن قناة «الميادين» أن برنامجها «أجراس المشرق»، والاسم موحٍ بالطبع، يتناول، إلى جانب واقع المدينة، «الهجرة الكثيفة، خاصة هجرة المسيحيين هرباً من أوضاعٍ أفقدتهم شيئاً من وجودهم في عمق الشرق». ويضيف إعلان القناة «تعرض في الحلقات تقارير حيّة من شوارع حلب وكنائسها المهدّمة وأسواقها العتيقة المحروقة».
و»بالرغم من كون البرنامج يُعنى بالواقع المسيحي في المنطقة إلا أن السلسلة غطّت مختلف جوانب الحياة في حلب، وواقع شرائح مختلفة من أهلها».
يشير معدّ ومقدّم البرنامج غسان شامي، حسب موقع قناة «الميادين» على الشبكة العنكبوتية «بأسفٍ كبير إلى الكنيستين المارونيّتين الوحيدتين في المدينة، واللتين تم تدميرهما على نحو شبه كامل بحيث لم يعد للموارنة كنائس في حلب».
وأضح أن القناة تتصرف وكأنها قد فضّلت على رؤوسنا جميعاً، وهي تتطرق إلى واقع المدينة، برغم أن البرنامج مخصص للواقع المسيحي! كما هو واضح أنها تتصرف ضمن الاستراتيجية الأكثر عمقاً للنظام السوري، فورقة الأقليات كانت جاهزة دائماً على الطاولة، ترفع في وجه العالم، كلما أحدق الخطر بالنظام، مثلاً عشية الانسحاب السوري من لبنان، عندما كان التلويح على أشدّه بأن المنطقة ستتحول إلى مستنقع، وبأن الأقليات ستصبح تحت التهديد.
إنها اللغة الإعلامية الأكثر تدميراً وتفتيتاً وإثارة للفتنة، هذه التي ترى واقع فئة، بحيث يبدو وكأن كل ما يجري يستهدفها هي بالذات، وتهمل الإبادة والتهجير اللذين يطالان عموم السوريين.
حين تجد قناة «الميادين» تتباكى إلى هذا الحد في مكان، ابحث عن مجزرة تحدث في المكان المقابل.
لاجئون أم مسافرون؟
اضطرت الممثلة الهندية، بريانكا شوبرا، للاعتذار بعد توجيه انتقادات لها إثر ظهورها على غلاف مجلة وهي ترتدي قميصاً «لا يراعي مشاعر اللاجئين».
كل ما في الأمر أن قميص نجمة بوليوود حمل كلمات «مهاجر» و»لاجئ» و»دخيل» و»مسافر»، لكن الكلمات الثلاث الأولى شطبت وتركت الأخيرة، كلمة وحيدة معترف بها أي «مسافر».
اعتُبر الأمر عدم قبول للاجئ، وخصوصاً في ظل الأزمة الكبيرة للاجئين السوريين، وأن في الإعلان تعزيزاً للخوف من اللاجئين، وهناك من فرّق بين تعبير «لاجئ» و»مسافر» حيث «يختلف الأمر تماماً عن اختيار الوجهة الأكثر جاذبية، والسفر في خطوط الطيران السياحية إلى المكان الأفضل للترفيه عن النفس».
كم يبدو هذا النقاش حول الفوارق بين هذه المصطلحات مترفاً بالنسبة للسوريين، الذين بات نصفهم اليوم لاجئاً في أرض الله. إذ إن مثقفي النظام السوري لا يريدون الاعتراف بتعبير «لاجئ»، ربما لأنهم لا يريدون الاعتراف أساساً بأن نظامهم هو المسبب الأساسي في أزمة اللجوء هذه.
يداوم هؤلاء على وصف مواطنيهم اللاجئين بكلمات من قبيل «الهاربين»، هذا في أحسن الأحوال، أما إذا تعرّض مركب من مراكب اللاجئين للغرق فلن يتردد بعضهم في وصفهم بـ «الفطايس». مع العلم أن اللاجئ قد لا يكون مطلوباً أمنياً بالضرورة، فالخوف من الموت والقصف والاعتقال وذل الحواجز والجوع كلها أسباب للجوء.
ماذا لو عرفت نجمة بوليوود، التي لا تعرف كيف تداري «فضيحتها» بالإساءة للاجئين، أن هناك من السوريين أنفسهم من شطب كل الكلمات واختار مصطلح «فطايس»!
خامنئي وفضاء الصورة
أكثر الانتقادات التي توجّه للإعلانات التجارية تتعلق بالمرأة، تحديداً بـ «استخدام» المرأة كسلعة، أو لترويج سلعة. الانتقادات تقول إن إعلانات من هذا النوع تحمل في العمق رسالة تقول إنك إذا حصلتَ على هذه السيارة، مثلاً، فستحصل معها على امرأة بهذا الجمال. ليس من السهل أن تتخلى الإعلانات عن حضور المرأة، لكن نرجوكم أن لا يكون هذا هو البديل: حيث جثمت صور المرشد الإيراني فوق رؤوس الناس، وصور الإعلانات في شوارع القاهرة، ترويجاً لقناة تلفزيونية تبث من هناك.
فماذا سيقول هؤلاء وهم يرون تلك الإعلانات العسيرة الهضم. صور لخامنئي تهيمن على فضاء المدينة، ويهيمن هو على فضاء الصورة!
كاتب من أسرة تحرير «القدس العربي»