إلى جهاد الخازن.. هذه هي صيدنايا .. هنادي الخطيب
يجيد الصحافي اللبناني العتيق جهاد الخازن صب مشاعر الحنين والحسرة في كلمات استخدمها غيره كثيراً، ولكن كلماته تحمل أهميتها لأنه هو من كتبها، ولا أهمية لأي شيء آخر في مقالته المعنونة بـ”سورية التي عرفتها صغيراً كبيراً” المنشورة في جريدة الحياة يوم الاثنين 13 شباط فبراير 2017.
لا يمكن للخازن أن يتفوق بحزنه على أبناء سوريا أنفسهم بالحنين لدمشق، ولكنه يتفوق على كثير من الصحافيين المخضرمين والجدد بتجاهله حقائق صدرت عن منظمة أممية مثل منظمة العفو الدولية، إذ إن تقرير المنظمة الذي حمل عنوان ” مجزرة بشرية”، عن إعدام نظام بشار الأسد 13 ألف سوري شنقاً في سجن صيدنايا، لم يثر لدى الخازن سوى مشاعر الاستغراب والنكران.
ليست المرة الأولى التي يصاب بها السوري العادي بصدمة من مادة رأي للأستاذ جهاد الخازن، ومن الواضح أن الخازن نفسه لا مشكلة لديه بإرسال الصدمة عقب الصدمة، وبتسجيله أسئلة من نوع “هل هذا صحيح؟ هل هو ممكن؟… لم يخطر لي إطلاقاً إنها تضم سجناً وأن ألوف السجناء سيُعدمون فيه من دون محاكمة”، في تعليقه على تقرير منظمة العفو عن صيدنايا، بتسجيله لهذه الأسئلة وتثبيتها بصحيفة تعتبر الأقوى عربياً، يترك الخازن القارئ السوري العادي فاغراً فمه ومطرقاً رأسه، إذا كان الصحفي الأبرز عربياً والزائر الدائم لسوريا ما قبل الثورة والعاشق لدمشق والباكي على الدمار السوري، إن كان هو لم يعرف بأن ثمة سجناً في ذلك الموقع السياحي، فلا عتب على شعوب وصحافيي العالم، ولا مشكلة بنفي وزارة العدل السورية التابعة للنظام لتقرير “مجزرة بشرية”، فالوزارة هي لسان الأسد وحاله.
الأستاذ جهاد الخازن.. ربما من واجبنا كسوريين أن نطلعك على القليل القليل من المعلومات الموثقة عن السجن الذي لم تسمع به في سوريا، سجن صيدنايا الذي يعد من أكبر سجون سوريا وأفظعها وأسوءها سمعة، والذي قضى فيه الكثيرون من معتقلي الرأي والمثقفين السوريين، والذي عذب الآلاف، والذي كان ولا يزال رمز سطوة الأسد ونظامه ووحشيته.
سجن صيدنايا يا استاذ جهاد، الذي لم يستطع أحد حتى اليوم أن يحصي عدد نزلائه ولا عدد ضحاياه، اعتبرته اللجنة العربية لحقوق الإنسان عام 2003 بأنه “قنبلة مولوتوف حية”، وربما يمكنك أن تسأل أي سوري من الأصدقاء السوريين الكثر الذين تملك عن عدد الأمهات اللواتي قضين في فراشهن لمجرد معرفتهم أن أبناءهن أو أزواجهن موجودون في صيدنايا.
سجن صيدنايا يا أستاذ جهاد، تحول منذ بداية الثورة السورية إلى مقر احتجاز لآلاف المدنيين المتهمين بوطنيتهم لأنهم طالبوا بحرية بلدهم، وسجن صيدنايا مشهور على محرك البحث “غوغل” أكثر من الأسد نفسه، وشهادات الخارجين منه يمكنك أن تجدها على صفحات الانترنت، ولا يكفيها، لكثرتها” ليلة أو ليلتان للاطلاع عليها، ولا يكفيها عمر واحد للتخلص من تأثير معرفتها.
سجن صيدنايا يا أستاذ جهاد، شهد ولادة أطفال، وربما أستطيع أن أعرفك بصبية سورية تعمل اليوم طبيبة، قضت أولى سنوات عمرها في صيدنايا، لأن أمها كانت معتقلة بتهمة “الرأي” عندما كانت حامل بها، وربما تحكي لك هي ماذا يعني أن تقرأ مادتك واستغرابك وحنينك إلى صيدنايا الجميلة.
الأستاذ جهاد الخازن.. ألم تسمع باسم الروائي السوري مصطفى خليفة أو على الأقل باسم روايته “القوقعة” التي كتبها انطلاقاً من تجربته الشخصية في سجن صيدنايا، ألم يمر أسماء المثقفين الذين صدرت لهم كتب أو عملوا في حقل الصحافة من نزلاء سجن صيدنايا مثل جمال سعيد وغسان الجباعي واحمد سويدان ووائل السواح وأسامة المصري ومنصور منصور وظافر النجار، ودياب سريّة،وعبد العزيز الخير، هؤلاء جميعهم قبعوا في زنازين سجن صيدنايا.
الأستاذ جهاد الخازن.. سجن صيدنايا أو “بقعة سوداء على خارطة حقوق الإنسان” كما وصفته صحيفة الغارديان في تقرير وثق شهادات معتقلين خرجوا من صيدنايا، قالت عنه منظمة العفو الدولية عندما حاولت إعادة بناءه بطريقة تفاعليه “بينما كنا نجمع النموذج أدركنا أن المبنى ليس مساحة فقط يتم فيها السجن والمراقبة والتعذيب، لكنه في حد ذاته أداة معمارية للتعذيب”.
الأستاذ جهاد الخازن:
نحن السوريون الذين هربنا من الموت السوري اليومي، ونحن السوريون الذي لازلنا تحت نار الموت السوري اليومي، ونحن السوريون الغرقى في البحر، واللاجؤون في أوروبا، والقابعون في خيام بلبنان وتركيا والأردن، ونحن السوريون الذين لا نتذكر صيدنايا ذات الصيت السياحي، نحن السوريون الناجون من سجن صيدنايا نعلمك أن سجن صيدنايا مات فيه كثيرون لبنانيون، ولا يزال ثمة الكثيرون من أبناء وطنك يقبعون في أقبيته، ولا نزال نحن نحلم باليوم الذي سنزيل هذا السجن من الوجود.
اورينت نت