رسائل «الخوذ البيضاء»… أما من بريجيت باردو للشعب المسكين؟ وهل من فيلم سينمائي ليعقوب شاهين؟

 

رغم مأساوية ما يحدث في سوريا، ورغم ما يبدو أنه ضياع الأمل، يبقى أن الصورة السورية تقتحم وتحقق راشد عيسىانتصارات. بالإمكان أن نعدّ صوراً كثيرة تحوّلت إلى أيقونات تجوّلت حول العالم، وستبقى في وجدانه إلى الأبد. علينا أن نعترف أن ذلك لم يكن ممكناً لولا أن هناك بقية ضمير. لذلك نهضت صورة عمران وحمزة الخطيب وباقي صور السوريين ورموزهم في غير مكان من المعمورة. صور «الخوذ البيضاء» اقتحمت الأوسكار أخيراً، هذا قبل كل شيء انتصار لسوريا الناس العاديين، الذين يقول الفيلم بوضوح إنهم مستهدفون من طائرات وبراميل النظام السوري والطائرات الروسية. فيلم يقول، ربما من دون أن يقصد أن يتحدث في السياسة، من هو القاتل، ومن القتيل.

صفعة للأدونيسية

على الرغم من أنه يمتلئ بإشارات دينية إسلامية، حاز فيلم «الخوذ البيضاء» جائزة أوسكار. صيحات «الله أكبر» تتردد في أرجاء الفيلم، وكذلك صفحات من القرآن بين يدي أحد معتمري الخوذ البيـضاء، والصلوات، ومع ذلك لم يقل أحد إن الخوذ البيضاء تخرج من الجامع، ولذلك ينبغي التوجس من أصحابها. وحده أدونيس قالها ذات مرة، وكررها رئيسه «المنتخب» حين سئل عن أصحاب «الخوذ البيضاء» فقال إنهم واجهة لتنظيم «القاعدة». مع ذلك حاز الفيلم جائزة في زمن دونالد ترامب، وفي عزّ الإسلاموفوبيا. الجائزة هي قبل كل شيء صفعة لهؤلاء، بإذن الله.

جائزة ترضية!

يظلم السوريون المعارضون أنفسهم وبلدهم حين يرون في الأوسكار لفيلم «الخوذ البيضاء» مجرد جائزة ترضية، أو جزءاً من مؤامرة كونية ترمي إلى قتل السوريين بيد، والتمويه على قتلهم عبر الجوائز والتعاطف المزيف. كذلك قيل مراراً إن البابا فرنسيس يغسل ويقبل قدم لاجئ من أجل التمويه على قتله في مكان آخر، أو أن أنجيلينا جولي تزور مخيمات اللاجئين السوريين فقط من أجل الشهرة وتعزيز النجومية.
لاحظوا أن الأوسكار جاءت للفيلم السوري في عزّ الزمن الترامبي، الذي يقول الأشياء من دون مواربة. ثم من قال إن كل تلك المؤسسات تعمل بشكل متضامن؟ البابا فرنسيس وأكاديمية الأوسكار وأنجيلينا جولي؟ يتشاطر ناشطون فيتسابقون على الإيحاء بذلك، وكأن تلك المؤسسات ترتبط بغرفة عمليات واحدة في مبنى للمخابرات المركزية الأمريكية. باختصار إنها إعادة إنتاج لنظرية المؤامرة الكونية، ويبدو أنه لا بدّ لنا من خلاص من النظريتين.

«الخوذ البيضاء» وغياب المخرج

من أبرز جماليات فيلم «الخوذ البيضاء» إلى جانب بطولة تصويره وملاحقة أحداثه التي تتطلب التواجد في عين الكارثة، في قلب نفق مليء بالنار والغبار والصرخات، تلك البساطة في تقديم الشخصيات، واللغة الأقرب إلى الأميّة أحياناً، لا تثاقُف، ولا مخرج يقول لك في كل لحظة «أنا المخرج»، ولا أحد يقول «ذاهب إلى الأوسكار»، فقط بشر في غاية البساطة، يضعون الأرواح على الأكف، يحيون الناس، كما يحيون الصور، الأفلام، وفي الآخِر، يحيون الأحلام.

بريجيت للشعب المسكين

اتهمت بريجيت باردو السلطات الفرنسية بالتقاعس عن وضع حد «للمعاناة الشنيعة» التي تقاسيها الحيوانات في المسالخ ومزارع التربية والسيرك، في رسالة نشرتها أخيراً الممثلة الفرنسية السابقة عبر التويتر.
ودعت باردو السياسيين وأصحاب النفوذ إلى «التحرك قليلاً»، آملة بـ «وضع حدّ لهذه الفظائع التي تتوالى يوماً بعد يوم». وهي ذكّرت بـ «الصور الشنيعة» لحيوانات تربى في المزارع.
تقول بقية الخبر إن جمعية «الـ 214» الفرنسية نشرت خلال الأشهر الأخيرة عدة أشرطة فيديو صادمة لممارسات مسيئة بحق الحيوانات في المسالخ أثارت استياء الرأي العام.
وعلى الإثر فتحت السلطات تحقيقاً برلمانياً حول معاناة الحيوانات في الملاحم ونفذت عمليات تدقيق وأغلقت مسالخ عدّة.
لم يخطر لي مرة أن أسخر من نضال النجمة الفرنسية الشهيرة في عقود سابقة، ولا أن أطالبها بالنضال من أجل جماعات تتعرض لذبح أقسى، فخيارها أن تناضل على تلك الجبهة، إنما تظل المفارقة الساخرة والمرّة حاضرة في وجداننا كيف أن أحداً في جهة أخرى من الأرض يطالب بالتنكيل بالبشر (دعك ممن يمارس التنكيل أصلاً)، أو يسمي الذبح عدلاً، والقصف بالبراميل بطولة، والتعذيب والقتل والشنق في المعتقلات تطهيراً للجسد الوطني من الإرهاب. أما من بريجيت باردو لهذا الشعب المسكين؟ «تحارب من أجل تحريم لحم السجناء» وسائر المواطنين!

الاستثمار بـ «آراب آيدول»

بعد الشاب الغزّي محمد عساف، فاز التلحمي (نسبة إلى مدينته بيت لحم) يعقوب شاهين بلقب «آراب أيدول». هكذا يكتمل جناحا الطائر الفلسطيني. فاز عساف فصنعوا له فيلماً سينمائياً، وربما نجد من يصنع فيلماً مماثلاً ليعقوب شاهين، فحواجز الاحتلال من بيت لحم إلى استديوهات البرنامج ليست أقل فظاعة من نظيرتها في غزة.
يبدو أن هناك من بين الفلسطينيين اليوم من يستثمر في الأغنية، بعد يأس مديد من الاستثمار في السياسة.
إذا كان الهدف تجارياً فذلك مفهوم وواضح، أما إذا كانت الزعم دعم القضية فحبذا قليلاً من الدعم لفنون أخرى تزدهر وتصل إلى محافل دولية بارزة، والسينما إحدى أبرز تلك الفنون.

أعداء الشعب

لعلها العبارة الأصدق تلك التي نطق بها دونالد ترامب حين وصف الإعلام الأمريكي بـ «أعداء الشعب». وصف يذكّر بعبارة تقول إن الصحافي الجيد هو ذلك الذي يكسب كل يوم عدواً جديداً.
«عدو الشعب» عنوان مسرحية للنرويجي هنريك أبسن، تناول فيها مأساة ذلك الطبيب الذي يقول لسكان بلدته إن البحيرة التي يعيشون عليها فاسدة ومؤذية صحياً فيما هم يكذّبون مزاعمه، ببساطة لأنهم يعيشون على «مفاسد» البحيرة، ولا يريدون تصديقه وبالتالي خسارة مشيمتهم الاقتصادية. هكذا سيصبح الطبيب عدوهم الأول، عدو مصالحهم واقتصادهم.
بهذا المعنى سيصبح فخراً كبيراً لهؤلاء الإعلاميين أن يكونوا نوعاً من «عدو الشعب».

 

 

 

 

كاتب من أسرة «القدس العربي»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى