حسين الديك يغني في باريس..وحين تقبّل آديل يدَ محجبة .. راشد عيسى
كم هي كئيبة تلك البلاد التي انتظرت ثلاثين عاماً ليسمح لها أن تتمايل على أنغام الموسيقى!
هكذا جاء الخبر: «لأول مرة منذ 30 عاماً، تمايل مئات الأشخاص في الرياض على أنغام موسيقى أول حفلة غنائية تشهدها العاصمة السعودية للمغنيين الشهيرين محمد عبده وراشد الماجد».
في الفيديو المرفق ستجد حشداً من الشبان، وفقط الشبان، يتمايلون على صوت عبده والماجد، فيما الأعلام الخضراء تملأ المكان، وفي صدر المسرح تنهض صور حكام البلاد، والأغنية تعلو وتعلو، تغني للجيش وللمملكة والوطن. هل كان لا بدّ من كل ذلك، الصور والوطنيات والأعلام، كي يسمح للأغاني أن تصدح في سماء المملكة، وضمن رؤية مؤجلة إلى العام 2030!
إنها خطوة على طريق طويل ولا شك، ولكنها أيضاً مؤشر على حجم الكارثة التي تعيشها تلك البلاد. هكذا يمكن أن تفهم لماذا يشعر الناس هناك بفداحة أن تقود المرأة السيارة، وأن يقود الناس زمام أنفسهم.
هكذا نفهم أيضاً معنى أن يخاف المرء ممن يحتقرون الموسيقى.
الإنسان عارياً
لو أراد المرء اختيار فيديو للأسبوع لما وجد أجمل من فيديو للمغنية العالمية أديل وهي تقبّل يد فتاة محجبة أثناء حفل لها في مدينة سيدني الأسترالية.
المغنية، كما تظهر في الفيديو، أقبلت على الفتاة المحجبة لتصافحها من بين الجميع، تقصدها هي بالذات تعبيراً عن تضامن أو تعاطف أو احترام خاص.
ما أرق وأجمل الصور التي انتشرت للمغنية وهي تقبّل يد الفتاة، وجهها كان يقول كل شيء. من أكثر اللقاءات التي يمكن فيها رؤية الإنسان عارياً، من الحجاب، ومن فوبيا الحجاب. هنا فقط الإنسان. ومرة أخرى، إنها الموسيقا التي تضعنا جميعاً في القناة ذاتها، بشر وحسب، قلب يلامس قلباً، من دون أي حجاب مجازي أو غير مجازي.
قشور الموسيقى
يقول الإعلان إن «النجم العربي حسين الديك» سيكون في باريس قريباً في حفل غنائي. استكثرتُ أن يسمى بالنجم العربي، كما استكثرتُ أن يغني أساساً في باريس، على غرار ما كان يفعل نجوم العرب الكبار في حفلاتهم الباريسية التاريخية، أم كلثوم، عبدالحليم حافظ، فيروز.. أما ذلك النجم العربي، فوالله ليست سوى أضحوكة أن يغني في باريس، وأن يجري الإعلان له كما لو أنه أحد الكبار.
لكن من قال إن الديك من غير جمهور؟ ما دمنا قد شاهدنا مراراً المغني الشعبي عمر سليمان يجول أوروبا ويقيم حفلات تكتظ بالجماهير، ومن بينها واحدة في باريس لم يخجل حاضروها البتة من إعلان صورهم مع «القيصر»، وهذا هو لقب سليمان، على صفحات الفيسبوك.
علي الديك وحسين الديك، وهما شقيقان، مغنيان من صناعة النظام السوري، إنهما بالكاد مغنيا أعراس شعبية، وهذا طبعاً ليس بالأمر السيء، فهما قد يكونان مفيدين وممتعين هناك، أما أن تفتح لهما دور الأوبرا السورية قبل غيرها فهذا هو تماماً معنى الانحطاط.
قرأتُ مرة في واحدة من صحف النظام مقالاً احتفظت به طويلاً قبل أن تبدد الحرب أرشيفي الصغير، ناقش فيه كاتبه كيف أنه لم يطق أن يسمع المغني علي الديك في البداية إلى أن نصحه أصدقاؤه بالتمعن والتمهل والتدقيق في الاستماع. هكذا ليصل الكاتب إلى تلك الفقرة التي يكشف فيها كيف تحوّل إلى الاستماع إلى الديك، ليختم بالقول «علي الديك إنني أنتمي إلى فنك كما أنتمي إلى باخ وموزارت وسيد درويش»!! نعم، لقد وضع الكاتب، وصحيفته، علي الديك في مصاف هؤلاء من دون أن يرفّ له، أو للصحيفة، جفن. ولم تجد رداً في الصحيفة، أو استغراباً من أحد.
يا عمّي، دعونا نقل الحقيقة كما هي، ما نحن في العمق إلا علي الديك وحسين الديك وعمر سليمان وشعبولا، وما موتسارت وتشايكوفسكي وفيفالدي إلا قشور.
تمويل للأفلام الرديئة!
كلما شاهدت فيلماً سينمائياً رديئاً ممولاً من جهات مختصة بالتمويل وتنشيط الثقافة تساءلت كيف سمحتْ لجان تحكيم في تلك الجهة أن تذهب أموالها هدراً بتلك الطريقة؟ ألا ينبغي أن تستعيد الجهة أموالها حين تكون النتيجة على هذا النحو؟ ألا ينبغي محاسبة لجنة التحكيم على خياراتها؟
أقول ذلك على سبيل المبالغة والتهكم، لكن على الأقل ألا يجب أن تراجع جهات التمويل سياساتها وشروطها وتشكيل لجانها التي أهدرت أموالها، إن كانت حقاً تفكر في تنمية مستدامة، أو إن أرادت الوصول إلى سينما وأفلام وإبداعات قيّمة؟
القدس العربي