“قانون قيصر”.. هل يكبح جبروت القيصر الروسي في سوريا؟ .. عبد القادر بن مسعود
منذ أن اندلعت شرارة الثورة السورية مطلع عام 2011، لم ينفك نظام الأسد عن قمعها وقصف المدن والقرى السورية بشتى أنواع الأسلحة الثقيلة والبراميل المتفجرة، مخلفاً سقوط مئات الآلاف من المدنيين، وإذا كانت تلك الجرائم تمت بوسائل قتل معروفة لدى السوريين وغيرهم من سكان هذا العالم، فإن ما خفِي من جرائم داخل دهاليز التعذيب تحت الأرض وفوقها أعظم، قبل أن يتخذ القيصر قراراً جريئاً بكشف ما خفِي، بتسريبه عشرات الآلاف من الصور الفظيعة لجرائم الأسد في حق المعتقلين، هذه الصور جعلت أعضاء الكونغرس يستدعون القيصر، حيث عُرضت صوره أمام لجنة بالكونغرس، تمخض عنها فتح تحقيق، ثم خروج قانون سمي بقانون قيصر.
من هو القيصر؟
عمل “القيصر” مجنداً بالجيش العربي السوري، كانت مهمته التقاط صور في الأماكن التي جرت فيها جرائم مدنية، ومنذ اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011، كُلف تصوير جثث المدنيين من ضحايا التعذيب والقتل على يد النظام السوري.
أُطلق عليه لقب “القيصر” بعد انشقاقه عن النظام وتسريبه عشرات الآلاف من صور ضحايا التعذيب من المدنيين السوريين، اعتمدت عليها لجنة التحقيق الدولية المكلفة بحث جرائم الحرب في سوريا لإثبات وقوع جرائم ضد الإنسانية على يد النظام السوري.
تسريب الصور:
عمل “القيصر” على تسريب عشرات الآلاف من صور القتلى من ضحايا التعذيب الذي تقوم به الأفرع الأمنية للنظام السوري، تفضح ما يجري داخل السجون، وتسلط الضوء على ما وصفت بأنها من كبرى الجرائم التي عرفتها البشرية في تاريخها، وذلك بعد انشقاقه على النظام، أحدثت تلك الصور صدمة مهولة للعالم أجمع.
الانطلاقة كانت بُعيد اندلاع شرارة الثورة السورية، حيث يحكي “القيصر”، أن عمليات القتل تمت خلال مظاهرات درعا السلمية -باكورة المظاهرات المناوئة لنظام الأسد- حيث نقلت إليهم الأجهزة الأمنية نحو 45 من جثث المتظاهرين السلميين إلى داخل المستشفى العسكري المعروف باسم 6011، وقيل إنها جثث لمندسين ومخربين من درعا.
بعدها، بدأت الأعداد في ازدياد مهول، حيث امتلأت بهم ثلاجات حفظ الموتى في وقت قياسي. وبحسب “القيصر”، فكل جثة كان مكتوباً عليها رقم التوقيف والفرع الأمني الذي اعتقله، وبعدها بـ3 أيام أو 4 يأتي الطبيب الشرعي لمعاينة الجثث التي تُركت في العراء عرضة للقوارض والحشرات.
وبعد أن يكبر العدد ويتجاوز الـ200 أو الـ300، يتم جمعها وأخذها إلى أماكن مجهولة! وبحسب “القيصر”، فإنه لا تُجمع سوى الجثث التي يأمر الطبيب الشرعي بجمعها بعد مراجعة بياناتها، بينما تجمع المخابرات بقية الجثث.
أما عن طريقة القتل التي استُعملت في قتل هؤلاء، فبحسب “القيصر” كانت تبدو على جثث القتلى آثار التعذيب بالكهرباء والضرب المبرح، وتكسير العظام، والأمراض المختلفة وبينها الجرب، إلى جانب الغرغرينا والخنق. ولم يسلم الأطفال ولا الشيوخ؛ إذ قال “القيصر” إن من بين القتلى أطفالاً أعمارهم تتراوح ما بين 12 و14 عاماً، وشيوخاً يتجاوز عمر بعضهم 70 عاماً، ووصل عدد الصور المهربة إلى 55 ألف صورة، بمعدل 4 صور تحديداً لكل جثة.
“قانون قيصر”:
صدَّق مجلس النواب الأميركي عليه بأغلبية ساحقة، ويطالب القانون الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بفرض عقوبات على الأشخاص والكيانات الأجنبية التي تقدم الدعم المادي والتقني للحكومة السورية بعد سريان القانون وإجازته من قٍبل الرئيس.
وكان قد أحيل مشروع القانون، المسمى “قيصر لحماية المدنيين السوريين”، إلى مجلس الشيوخ للتصديق عليه قبل إحالته إلى الرئيس الأميركي لإجازته، ومن المفروض أن تنتهي صلاحيته -حال اعتماده- في 31 ديسمبر/كانون الأول 2021.
واتهم نواب المجلس الحكومة السورية بارتكاب جرائم حرب، بينما تشهد أعداد القتلى جراء العنف الدائر في البلاد زيادة مطردة.
ووفقاً لمشروع القانون الخاص بسوريا الذي جاء في نحو 39 صفحة، فإن آلة الحرب الطاحنة المستمرة منذ 6 سنوات أودت بحياة نحو نصف مليون شخص تقريباً، وجاء في مشروع القانون المنشور في الموقع الإلكتروني للكونغرس الأميركي أن “الأعمال القتالية لبشار الأسد ضد الشعب السوري أودت بحياة 400 ألف مدني، وأدت إلى تدمير نصف البنية التحتية في سوريا، وأجبرت أكثر من 14 مليون شخص على مغادرة منازلهم خلال السنوات الخمس الأخيرة، وأنتجت أسوأ أزمة إنسانية منذ أكثر من 60 عاماً”.
كما انتقد المشروع موقف المجتمع الدولي، وقال إن “التحركات الدولية كانت غير كافية لحماية المدنيين من هجمات القوات النظامية وغير النظامية التي تدعم نظام بشار الأسد، ومنها حزب الله”.
وعدَّد المشروع الأسلحة التي تُستعمل ضد الشعب السوري، ومنها البراميل المتفجرة، والأسلحة الكيماوية، بالإضافة إلى أساليب أخرى كالحصار والتعذيب والإعدامات الميدانية والاستهداف المتعمد للكوادر الطبية، ويستهدف مشروع القانون الداعمين الأساسيين للأسد المتمثلين في روسيا وإيران؛ إذ يقتضي من الرئيس الأميركي معاقبة الدول أو الشركات التي تمول أو تتعامل مع الحكومة السورية أو بنك سوريا المركزي.
هل سيوقع ترامب على القانون؟
من شأن “قانون قيصر”، حسب الخبراء، أن يمتحن الجدية التي بدا كأن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يتعامل بها مع نظام بشار الأسد وحلفائه فيما يتعلق بالخصوص باستهداف المدنيين، خصوصاً بعد الضربة العسكرية التي وجهتها إدارة ترامب إلى قاعدة “الشعيرات” الجوية التابعة للنظام السوري في أبريل/نيسان الماضي.
خاصة أن العقوبات التقليدية المفروضة منذ زمن على سوريا وحلفائها لم تمنع استهداف المدنيين ولم تقلص الانتهاكات الصريحة الموجهة على مختلف مواقع المعارضة السورية.
بعد إقرار “قانون قيصر” في مجلس النواب، ستتم إحالته إلى مجلس الشيوخ للبتّ فيه، وفي حال إقراره يُرسل القرار إلى البيت الأبيض؛ ليضع الرئيس توقيعه عليه، في حين أن البيت الأبيض حتى الآن لم يعلن موقفه حياله.
للإشارة، كانت إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، جمدت إقرار هذا القانون رغم موافقة مجلس النواب عليه،
ومبرر أوباما للرفض كان دعوى أن هذا القانون يمكن أن يعطل الاتفاق الأميركي-الروسي بشأن وقف إطلاق النار في منطقة النزاع، التي تم التوصل إليها نهاية حكمه، ولم يتم الالتزام به إلى اليوم.
huffpostarabi