وقف إطلاق النار في سورية، هل حانت لحظة الحقيقة؟.. خليل المقداد
أعلن مساء الإثنين 22 شباط \ فبراير عن مسودة إتفاق توصل إليه وزيرا خارجية كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، ويقضي الاتفاق بوقف لإطلاق النار يبدأ بتاريخ 27 من شهر شباط \ فبراير الجاري. قد يعتقد البعض للوهلة الأولى أننا قد وصلنا أخيرا إلى بداية حل يضع حداً لسفك الدم السوري، فهل وقف إطلاق النار هذا سيصب فعلا في مصلحة الشعب السوري، ومن هو المستفيد الحقيقي منه؟
إذا ما قرر كيري – لافروف المضي قدما في تطبيق مسودة إتفاق وقف إطلاق النار في سورية، فإنه سيتعين على فصائل المعارضة السورية المسلحة أن تعلن صراحة وبحلول ظهر يوم السادس والعشرون من شهر شباط \ فبراير عن موقفها الواضح والصريح من هذا الاتفاق، الذي وعلى ما يبدو أنه قد رسم الخطوط العريضة ومحددات العملية السياسية ” الخبز مقابل السلام” والأسس التي سيتم تصنيف الفصائل المسلحة على أساسها “الرضوخ مقابل الأمان.”
الموافقة على إتفاق وقف “الأعمال العدائية” يعني عدم تصنيف الموافقين في خانة الإرهاب وبالتالي عدم إستهدافهم، مع ملاحظة أن وقف الأعمال العدائية لا يشمل كل من تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، وباقي الفصائل المصنفة إرهابية.
اللافت للنظر في مسودة الاتفاق هو أمران، الأول أنها قد أُقِرَت من طرف واحد هو “الولايات المتحدة وروسيا” ولم يتم إستشارة أي من الأطراف الأخرى، بل وسيتم فرضها على المعارضة ونظام الأسد الذي يبدو الرابح الأكبر من هذه الهدنة، أما الأمر الثاني فهو أن إتفاق وقف إطلاق النار قد شمل كل من جيش الإسلام وحركة أحرار الشام وهما الفصيلان اللذان كانا محل جدل وخلاف بين الدول المعنية بالشأن السوري، هذا الخلاف الذي وعلى ما يبدو أنه قد حسم بعد مشاركة الفصيلين في إجتماعات الرياض وهيئة المفاوضات المنبثقة عنه والتي مثلت المعارضة في حوار جنيف, إضافة إلى الحاجة الماسة لهما كفصيلين سوريين يكسبان جهود مكافحة الإرهاب المزعوم شرعية تفتقدها، وهو ما رجح كفة القبول بهما ضمن الاتفاق المبرم.
بحسب التصريحات فمن المرجح أن يكون إتفاق وقف إطلاق النار هذا مؤقتا ولمدة ثلاثة أسابيع، يمكن إعتبارها مرحلة جس نبض وإختبار لمدى قدرة الأطراف الدولية على فرض وقف لإطلاق النار من جهة ومدى إلتزام الفصائل المسلحة بهكذا إتفاق من جهة أخرى.
المعضلة الحقيقية تكمن في تداخل الجغرافيا وتعقيدات التحالفات على الأرض، فإذا ما استثنينا تنظيم الدولة الإسلامية، فإن جبهة النصرة وعدد من الفصائل الأخرى تتشارك السيطرة على العديد من المناطق المحررة وخاصة المأهولة منها بالسكان، ليس هذا فحسب، بل إن للجبهة تشكيلات وغرف عمليات مشتركة مع معظم الفصائل من إسلامية وجيش حر، هذا الأمر محدود نسبيا في محافظة درعا رغم تواجد الجبهة من خلال جيش الفتح في عدد من مناطقها.
قرار وقف إطلاق النار سيمثل مشكلة حقيقية لكافة الفصائل المسلحة على الأرض خاصة الكبيرة منها والتي تشترك مع جبهة النصرة في غرف عمليات وتشكيلات مسلحة كجيش الفتح، وهو ما قد يضعها أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما الإستمرار مع الجبهة وتحمل تبعات هكذا قرار لجهة التصنيف في خانة الإرهاب، وإما الفكاك وفرط عقد التحالف مع الجبهة والقبول لاحقا بما سيترتب على ذلك من تبعات وشروط ستفرض عليهم.
جبهة النصرة بدورها قد تجد نفسها وحيدة ليس فقط في مواجهة التحالف الدولي ونظام الأسد وتنظيم الدولة الذي إختارت الإنشقاق عنه وقتاله، بل وحتى في مواجهة حلفاء اليوم الذين قد يفرض عليهم هكذا إتفاق نفض يدهم من يد النصرة وربما قتالها لاحقا، وهو ما قد يدفعها للذهاب بعيدا في خيارات لم تكن مطروحة حتى الأمس القريب، لكن مما لا شك فيه أن دخول هكذا إتفاق حيز التطبيق سيغير خارطة الفصائل وتحالفاتها على الأرض وقد نشهد إختفاء بعضها وظهور أخرى.
تمخض الجبل فولد فأراً، لعل هذا المثل العربي هو أكثر الأمثلة التي يمكن إسقاطها على هكذا إتفاق، لن يشمل سوى مناطق مهادنة بالأصل ولا تتعرض للقصف إلا نادرا وما تكثيف القصف الروسي مؤخرا على مناطق بعينها إلا تبريرا يعطي الإنطباع بأن هناك معارك إقتضت وقفاً لإطلاق النار، فالإتفاق إعلامي بالدرجة الأولى والهدف منه تبرير الزج بالفصائل في مواجهة بعضها البعض بحجة الحرب على الإرهاب.
من المرجح أن يسري وقف إطلاق النار على كل من الريف الشمالي لحلب، والغوطتان الشرقية والغربية، وأجزاء من الجنوب السوري في حوران، لكنه لن يشمل الرقة وريفها ولا دير الزور وريفها، ولا ريف الحسكة أو وريف عين العرب، وريف حمص الشرقي وتدمر، وريف حماه الشرقي، ولا القلمون الشرقي، وريف حلب الشرقي، وذلك بسبب سيطرة تنظيم الدولة وجبهة النصرة على هذه المناطق كليا او جزئيا بحسب مفهومهم. وهذه المناطق هي المستهدفة بشكل رئيسي ومستمر ما يعني عدم وجود تغيير حقيقي على الارض وسيبقى المدنيون عرضة لاستهداف طائرات التحالف وروسيا والنظام، وفي المحصلة فإن هذا الاتفاق المبرم ليس سوى غطاء لفرض خطط مبيته، من يقبل بها رفع عنه الإستهداف وصفة الإرهاب ومن رفض فليواجه مصيره.
من جهة أخرى، سيتعين على فصائل المعارضة السورية التوقف عن إستهداف مناطق سيطرة نظام الأسد العسكرية منها والمدنية والتي بكل الأحوال لم تعد مدنية بالمعنى المتعارف عليه لأنها تحولت لثكنات عسكرية كنبل والزهراء، وبالتالي يحق لقوات تلك المناطق الطائفية قصف المناطق المحيطة بها تحت مسمى محاربة الإرهاب، بينما لا يحق لأي فصيل الرد لأنه حينها سيتهم بالإرهاب، في المحصلة فإن الهدنة اليوم هي لمناطق سيطرة نظام الأسد وميليشيات إيران وقواعد روسيا العسكرية وليست للمناطق المحررة.
بقي أن نسأل ما هو وضع ما يسمى قوات سورية الديمقراطية التي تستخدم كغطاء لوحدات الحماية الكردية الإنفصالية؟ وماهو مصير المناطق التي إحتلتها؟ عليها وهل سيتم تثبيت إحتلالها لها كأمر واقع كما حدث مع نظام الأسد الذي تقدم بغطاء روسي وتواطئ إقليمي على عدد من الجبهات؟ في حين أن ورقة التوت التي باتت تطالب بها المعارضة كي تستر عورتها وتشارك في المؤامرة ليس سوى تنفيذ ولو شيئ يسير من البندين 12 و13 من القرار الأممي المخزي 2254.
بغض النظر عن مدى قدرة الأطراف الدولية على فرض هكذا هدنة في ظل الفوضى الحاصلة، لكن هكذا إتفاق يبقى حلقة مهمة في سلسلة حلقات الفرز المستمرة وجرساً قُرِعَ معلناً إقتراب لحظة الحقيقة، حيث بات على الجميع أن يعلم أن من سيقاتل التنظيمات والفصائل المصنفة إرهابية ومن ضمنها جبهة النصرة ورافضي الحل السياسي على الأرض هم أبناء الأرض أنفسهم وليس أي قوى خارجية، فزمن التدخل الخارجي على الأرض ولى مالم تتغير الظروف الموضوعية التي تضمن تدخلاً آمناً لا خسائر بشرية فيه كتلك التي لحقت بهم في أفغانستان والعراق!
@kalmuqdad